الماهيات إما أن لا تكون مقتضية لحصول (هذين الأمرين ، وإما أن تكون مقتضية لحصول أحدهما لا بعينه ، وإما أن تكون [مقتضية (١)] لحصول أحدهما بعينه (٢) ، والأول باطل ، وإلا لزم خلو هذه الماهيات عن الوجود والعدم معا وهو محال ، والثاني أيضا باطل لأن أحدهما لا بعينه يمتنع دخوله (٣) في الوجود ، لأن من المحال أن يحصل في الوجود شيء ، مع أنه في نفسه لا يكون شيئا معينا ، بل يكون هو في نفسه إما هذا وإما ذاك ، وما يكون ممتنع الوجود في نفسه ، يمتنع أن يكون وجوده معلولا لوجود غيره ، ولما بطل هذان القسمان ثبت أن هذه الماهيات الممكنة تقتضي إما الوجود بعينه ، وإما العدم بعينه ، مع أن الطرف الثاني يكون غير ممتنع الحصول فثبت بهذا البرهان : أنه لا بدّ من الاعتراف بحصول هذه الأولوية (ولما ثبت بهذه الوجوه الأربعة أنه لا بد من الاعتراف بحصول هذه الأولوية (٤) في الجملة فنقول : هذا الذي يكون الوجود أولى به من العدم ، وجب أن يكون غنيا في وجوده عن السبب المؤثر والفاعل الموجد ، والدليل عليه : أن عند (فرض) (٥) عدم المؤثر المنفصل، إما أن يحصل أولا يحصل. فإن حصل الرجحان فقد كفت ماهيته في حصول هذا الرجحان ، وما حصل بالذات امتنع استناده إلى الغير ، وإن لم يحصل الرجحان فحينئذ لا تكون ذاته مقتضية لحصول أولوية الوجود ، مع أنا فرضناه ، كذلك. هذا خلف. فثبت بما ذكرنا : أن القول بحصول أولوية الوجود معقول ، وثابت أن بتقدير حصول هذه الأولوية ، فإنه يجب حصول الاستغناء عن العلة ، فهذا تمام الكلام في تقرير هذه الشبهة.
وأما السؤال الثاني : على قولكم (٦) «الممكن مفتقر إلى المؤثر» فهو أن نقول هذه الأجرام العلوية والسفلية بتقدير أن يقوم البرهان على كونها ممكنة الوجود في أنفسها. قابلة للوجود وللعدم ، إلا أن بتقدير كونها دائمة أزلية (٧)
__________________
(١) من (س).
(٢) مكررة في (س).
(٣) حصوله (س).
(٤) من (س).
(٥) من (س).
(٦) قولهم (س).
(٧) الأثر (س).