إنما ادعينا أنه لا بد للأسباب والمسببات من أول ، وما ادعينا أنه لا بد لها من آخر. فظهر الفرق.
وأما السؤال الثاني : وهو قوله : «تلك الأسباب والمسببات ، إنما يعقل وصفها بكونها مجموعا وجملة وكلّا ، لو ثبت كونها متناهية».
فالجواب : لا نسلم أن الأمر كما ذكرتم ، والدليل عليه وجهان :
الأول : إنا حيث قلنا : الأسباب والمسببات لا نهاية لها ، فقد جعلنا اللانهاية محمولا ، ومعلوم أنه [ليس (١)] موضوع هذا المحمول كل واحد من تلك الأسباب ، بل ليس إلا المجموع ، فثبت أنه يمكن وصفه بكونه مجموعا وجملة ، سواء فرضناه متناهيا أو غير متناه.
الثاني : إنا إذا قلنا ما لا نهاية له موجود ، فقد حكمنا على تلك الأمور التي لا نهاية لها بأنها موجودة ، ونحن لا نريد بالكل والجملة والمجموع إلا تلك الموجودات بأسرها.
وأما السؤال الثالث : وهو قوله : «لم لا يجوز أن يقال إن تلك الجملة إنما وجدت لأجل أن كل واحد من آحادها استند إلى واحد آخر ، إلى غير النهاية».
فالجواب : عنه : أن نقول : هذا أيضا باطل لأنا إذا قلنا : الجملة إنما وجدت لاستناد كل واحد من آحاد تلك الجملة إلى واحد آخر ، فقد حصل هاهنا مفهومان : ـ
أحدهما : مجموع ذوات تلك الآحاد.
الثاني : كون كل واحد منها مستندا إلى الآخر ، ولا شك في تغاير هذين المفهومين ، إذا عرفت هذا ، فنقول : هذا الذي جعلتموه علة لتلك الجملة ، إما أن يكون هو تلك الآحاد أو تلك الاستنادات العارضة لتلك الآحاد ،
__________________
(١) من (س).