أن يقال الجسم وإن كان ممكنا لذاته ، إلا أنه يجب لوجوب جزئه ، وهو الهيولي والصورة؟ أجاب الحكماء عنه : بأنه ثبت الدليل بأنه يمتنع خلو الهيولي عن الصورة ، ويمتنع خلو الصورة عن الهيولي ، فيثبت كونهما متلازمين (١) ، فنقول : هذا التلازم ، إما أن يكون بين ماهيتهما كما في المضافين أو بين وجوديهما. والأول باطل ، وإلا لامتنع أن نعقل أحدهما مع الذهول عن الآخر ، فكان يجب أن يفتقر في إثبات تلازمهما إلى برهان منفصل ولما بطل هذا ، ثبت أنهما متلازمين في الوجود ، ثم نقول يستحيل كون الهيولى علة للصورة ، لأن الهيولى من حيث هي هي قابلة للصورة ، فلو كانت مؤثرة فيها ، لكان الشيء الواحد قابلا وفاعلا معا ، وهو محال ، ويستحيل كون الصورة علة للهيولى ، لأن الصورة حالة في الهيولى ، فتكون مفتقرة إليها ، والمفتقر إلى الشيء ، يمتنع كونه علة لوجوده ، فثبت أنه لا الهيولى علة لوجود الصورة ، ولا الصورة علة لوجود الهيولى ، وقد ثبت كونهما متلازمين في الوجود (وكل شيئين متلازمين في الوجود) (٢) لا في الماهية ولا يكون أحدهما علة للآخر ، فلا بد وأن يكونا معلولي علة واحدة ، إذ لو لم يكن كذلك لكان كل واحد منهما غنيا عن صاحبه ، وعن كل ما يفتقر إليه صاحبه (٣) وذلك يمنع من القول (بثبوت الملازمة) (٤) فثبت أن الهيولى والصورة معلولا علة منفصلة ، وكل ما كان كذلك فهو ممكن لذاته ، فثبت أن الجسم كما أنه ممكن الوجود بحسب تمام ماهيته ، فهو أيضا ممكن الوجود بحسب كل جزء من أجزاء ماهيته (وذا تمام الكلام في هذا الدليل) (٥).
والاعتراض عليه : أن يقال : أما القول بأن الجسم مركب من الهيولى والصورة ، فقد سبق البحث فيه. (سلمنا ذلك ، لكن لا نسلم كون الهيولى
__________________
(١) كونها متلازمة (س).
(٢) من (س).
(٣) خاصيته (ز).
(٤) من (س).
(٥) من (ز).