باب إثبات أن واجب الوجود) (١) لذاته واحد ، وأما بيان أن الأجسام ليست واحدة بل كثيرة ، فهذا أمر مشاهد ، فلا حاجة في إثباته إلى الحجة. واعلم أن المباحث على الدليل المذكور ، في أن واجب الوجود يمتنع أن يكون أكثر من واحد كثيرة ، وهي مذكورة في موضعها (اللائق بها) (٢).
الحجة الرابعة في بيان أن الأجسام ممكنة الوجود لذواتها : إن الأجسام متساوية في الجسمية ، ومتباينة في التعين ، وما به المشاركة غير ما به الممايزة ، وكل واحد منها مركب من الجسيمة التي بها يشارك سائر الأجسام ، ومن التعين الذي به يمتاز عن سائر الأجسام. إذا ثبت هذا فنقول : إما أن تكون الجسمية مستلزمة لذلك التعيين ، وإما أن يكون ذلك التعين مستلزما للجسمية ، وإما أن لا يكون كل واحد منهما مستلزما للآخر. والأول باطل ، وإلا لزم أن يكون كل جسم موصوفا بذلك التعيين ، فيكون كل جسم ذلك المعين ، هذا خلف. والثاني أيضا باطل ، وذلك لأن تعين ذلك الجسم نعت من نعوته ، وصفة من صفاته ، ونعت الشيء يفتقر إلى ذلك الشيء ، والمفتقر إلى الشيء لا يكون علة له ، فثبت أنه لا الجسمية علة لذلك التعين ، ولا ذلك التعين علة للجسمية ، ولما بطل هذان القسمان وجب أن يكون اجتماع (هذين) (٣) القيدين معلول علة منفصلة ، وإذا كان (كذلك) (٤) وجب أن يكون كل جسم معين معلولا لعلة منفصلة ، وكل ما كان كذلك فهو ممكن لذاته واعلم أن هذه الحجة ، مبينة على أن التعين مفهوم ثبوتي ، والكلام فيه قد تقدم في هذا الباب.
الحجة الخامسة في إثبات أن الأجسام ممكنة لذواتها : أن نقول : إن كل متحيز (٥) منقسم بالدلائل المذكورة في مسألة نفي الجزء الذي لا يتجزأ ، وكل منقسم فهو مركب ، وكل مركب فهو ممكن الوجود لذاته بالدليل الذي سبق
__________________
(١) م (ز).
(٢) من (ز).
(٣) أن يكون (س).
(٤) من (ز).
(٥) متحرك (س).