ماهيات متساوية ، في كونها مقادير ، وأما كون ذوات الأجسام قابلة لهما. فهذا أيضا معقول مشترك فيها بين الكل ، إلا أنه ثبت في علوم العقل أن الأشياء المختلفة لا يمتنع اشتراكها في بعض اللوازم ، فيمتنع كون ذات الأجسام مختلفة بحقائقها المخصوصة ، ومتباينة بماهياتها المعينة ، ومع ذلك فإنها تكون مشتركة في هذه القابلية ، فثبت بهذه [الدلالة] (١) أنه لا يلزم تساوي في الأجسام في القبول الذي هو الحجمية والمقدار ، وفي كونها بأسرها قابلة له ، وكون ذواتها المعينة وحقائقها المخصوصة متساوية. إذا عرفت هذا فنقول : المعلوم عندنا من الجسم أنه شيء يلزمه قبول المقادير الثلاثة ، فأما أن ذلك بحسب [ماهيته المخصوصة] (٢) ما هو؟ فغير معلوم عندنا ، وإن لم يكن معلوما عندنا لم نقدر على أن نحكم بمقتضى الفطرة الأصلية بكونها متماثلة ومختلفة. فيثبت بهذا البيان : ان إثبات كون الجسم متماثل في تمام حقائقه المخصوصة ، أمر في غاية الصعوبة. والذي حصلناه في هذا الباب : أن نقول : لا شك أن الأجسام متساوية في طبيعة الحجمية والمقدار ، وهذا القدر أمر معلوم (٣) بالبديهة ، ثم نقول : هذه الأجسام التي علمنا كونها متساوية في طبيعة الحجمية نعلم أيضا من حالها كون كل واحد منها مغاير للآخر ، ومخالفا له في تعينه الشخصي ، وهذا أيضا معلوم. ثم نقول : هذه الأشياء المتساوية في الحجمية ، المتباينة في التعين والتشخص ، إما أن تكون مختلفة بالماهية ، [أو لا تكون. فإن لم تكن مختلفة بالماهية] (٤) فحينئذ يصح قولنا : إن الأجسام متماثلة في تمام ماهياتها وحقائقها. وذلك هو المطلوب. وأما إن قلنا : إنها مختلفة بالماهية ، فنقول : فعلى هذا التقدير حصل الاستواء. بينهما في الحجمية ، والاختلاف في الحقيقة ، وما به المشاركة غير ما به المخالفة ، فوجب أن تكون بحجميتها وبحيزها مغايرة لتلك الحقائق المخصوصة التي لأجلها حصل الاختلاف. فنقول : فعلى هذا التقدير ينقسم ذلك إلى ثلاثة أقسام ، لا مزيد عليها ، لأنه إما أن يقال:
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).
(٣) مغاير (س).
(٤) من (س).