إن تلك الأمور التي حصل بها الاختلاف : ذوات ، فتكون الحجمية التي بها حصل الاشتراك صفات. وإما أن يقال بالعكس منه ، وهو : أن تكون الحجمية التي بها حصل الاشتراك ذوات ، وتكون الأمور التي بها حصل الاختلاف صفات.
وإما أن يقال : إن كل واحد من هذين الاعتبارين مباين عن الآخر ، لا صفة له ولا
موصوف به. فهذا تقسيم صحيح دائر بين النفي والإثبات. ثم نقول : والقسم الأول باطل ، ولما بطل ذلك بقي الحق : إما الثاني وإما الثالث ، وعلى كلا التقديرين فالمقصود حاصل ، وإنما قلنا : إن القسم الأول باطل ، وذلك لأن الحجمية والمقدار لا شك أنه حاصل في الحيز والجهة ، لأنه لا معنى للمقدار ، إلا الأمر الممتد في الجهات والأحياز ، فهذه الحقيقة تكون لا محالة حاصلة في الأحياز (والجهات) (١) فإذا قلنا : إن هذه الحجمية صفة حالة في تلك الأشياء التي بها حصل الاختلاف. فنقول : تلك الأشياء إما أن تكون حاصلة في الأحياز والجهات ، وإما أن تكون كذلك ، والقسمان باطلان ، أما الأول فلأنه يلزم منه التناقض ، وتقريره : أنا إذا قلنا : الأجسام متساوية في الحجمية وكانت مختلفة باعتبار آخر. فالحجمية التي حصل بها (الاستواء تكون لا محالة مغايرة لتلك الاعتبارات التي حصل بها) (٢) الاختلاف ، وإن كان كذلك فتلك الاعتبارات المتباينة للحجمية ، وتلك الحقائق المغايرة لها ، وجب أن لا يكون لها (٣) في حد ذاتها حجمية ولا تحيز البتة.
وإذا ثبت هذا ، فنقول : لو حكمنا بكونها حاصلة في الأحياز والجهات ، فحينئذ يكون لها امتدادات في تلك الأحياز ، وفي تلك الجهات ، فيلزم أن يقال : الشيء الذي ليس له في حد ذاته امتداد وحجمية ، يكون له في حد ذاته امتداد وحجمية ، وذلك يوجب الجمع بين النقيضين ، وهو محال. وأما القسم
__________________
(١) من (ز).
(٢) من (س).
(٣) لا يكون لها (س).