الفصل التاسع عشر
في
تقرير طريقة للحدوث لا يحتاج فيها
إلى ضم الامكان
أعلم : أن جمهور المتكلمين اتفقوا على أن مجرد الحدوث يكفي في صحة الاستدلالات به على وجود الفاعل. إلا أن القائلين (١). بهذا القول فريقان :
أحدهما : الذين قالوا : العلم بافتقار المحدث [إلى المحدث] (٢) علم ضروري. وهذا قول «أبي القاسم الكعبي» [من المعتزلة] (٣) وقول طائفة عظيمة من أهل الإسلام.
والثاني : قول من يقول : العلم بافتقار المحدث إلى الفاعل والصانع : علم استدلالي. لا يتم إلا بعد الدليل. وهو قول «أبي علي» و «أبي هاشم» وأصحابهما من المعتزلة. أما «الكعبي» فكان يقول : «إنا نرى العقلاء متى أحسوا بحدوث حادث ، طلبوا له سببا وعلة ، من غير توقف ولا تأمل. فعلمنا : أن العلم بافتقار المحدث إلى المؤثر والمرجح : علم بديهي ، مركوز في عقول العقلاء» ولقائل أن يقول : بديهة العقل تحكم بأن الحادث لا بد له من سبب حادث. ولا يكتفي باستناد حدوث الحادث ، إلى سبب كان موجودا قبل ذلك بشهور وسنين. ألا ترى أن من سمع حدوث صوت ، فإنه يطلب له علة
__________________
(١) القائل (س).
(٢) من (س).
(٣) ليس (س).