وسببا. فلو قيل : السبب في حدوثه : كون السماء فوقنا ، والأرض تحتنا ، حكم صريح العقل بفساد هذا التعليل. وكل عاقل يقول : إن كون السماء فوقنا ، والأرض تحتنا : كان حاصلا قبل هذا الوقت. فكيف يمكن جعله سببا لحدوث الصوت في هذه الساعة. بل لا بدّ لهذا الصوت [الحادث] (١) من سبب حادث؟
فإن قالوا : أليس أن إنسانا مبغضا لإنسان آخر من قديم [الدهر] (٢) ثم إنه يوقعه في بلاء ومحنة. فإنه يقال : إن وقوعه في هذه المحنة ، ليس لهذا السبب الحادث ، بل إنما كان، لأجل البغض القديم؟ فنقول : لا بدّ وأن يقولوا : إن البغض القديم كان موجب اتصال الآفة إليه. أما وقت القدرة والمكنة ، فإنما حصل في هذه الساعة. فقد اعترفوا هاهنا بحدوث هذا الأثر لهما ، وكان لأن شرائط التأثير إنما حصلت في هذا الوقت فقط.
وإذا عرفت هذه المقدمة. فنقول : إنا إن قلنا (٣) بافتقار الحكم الحادث إلى سبب حادث ، لزمنا الاعتراف باستناد كل حادث إلى [حادث] (٤) آخر قبله. و «الكعبي» لا يرضى بهذا القول البتة. [وإن حكمنا بأن استناد كل حادث إلى مؤثر ، كان موجودا قبله ، من غير أن يحصل لذلك المؤثر ، تغير حال وتبدل البتة] (٥) فهذا مما يستبعده كل العقلاء. فثبت : أن الذي يحكم به [صريح عقل] (٦) جمهور العقلاء ، فالكعبي لا يرتضيه ولا يقول به ، والذي يريده «الكعبي» ويقول به ، فالعقل لا يحكم به.
والسؤال الثاني : إن العقل كما يستبعد الحدوث من غير فاعل ، فكذلك يستبعد الحدوث من غير سبق مادة ومدة. فإنه كما أن حدوث البناء من غير الباني مستبعد ، فكذلك حدوث البناء من غير تقديم الخشب والحجر واللبن مستبعد. وليس أحد الاستبعادين أقوى من الثاني. وأيضا : حدوث الحادث لا
__________________
(١) سقط (س).
(٢) سقط (س).
(٣) حكمنا (س).
(٤) سقط (س).
(٥) من (س).
(٦) من (س).