وأما إثبات العلة : فهو أنا ندعي أن احتياج أفعالنا إلينا ، إنما كان لأجل حدوثها. والدليل عليه : أن احتياج أفعالنا إلينا. إما أن يكون لقدمها السابق ، أو لحدوثها ، أو لبقائها. والأول باطل. لأن العدم السابق لا تعلق له بالفاعل. والثالث أيضا باطل. لوجهين: الأول : إنه لو احتاج [الباقي] (١) إلى الفاعل ، لكان هذا (٢) تحصيلا للحاصل. وهو محال. والثاني : إن البناء قد يبقى بعد فناء الباني ، والنقش قد يبقى بعد فناء النقاش. ولما بطل هذان القسمان ، علمنا : أن علة الحاجة [هي الحدوث. فثبت : أن أفعالنا محتاجة إلينا ، لأجل حدوثها ، وثبت : أن علة الحاجة هي الحدوث. ولما ثبت أن الأجسام محدثة ، كانت علة الحاجة] (٣) إلى الفاعل حاصلة فيها ، فوجب القطع بافتقارها إلى الفاعل. هذا تمام تقرير هذا الدليل.
والاعتراض عليه من وجوه :
الأول : لا نسلم وقوع أفعالنا بنا. قوله : «الدليل عليه : أنه يجب وقوعها عند دواعينا ، ويجب بقاؤها على العدم عند صوارفنا. وذلك يقتضي وقوعها بنا» قلنا : القول بأن أفعالنا يجب وقوعها عند دواعينا ، ويمتنع وقوعها عند عدم دواعينا : لا يستقيم (٤) على قول المعتزلة. والدليل عليه : أن تلك الأفعال إذا كانت [واجبة] (٥) الوقوع عند حصول هذه الإرادات ، وكانت ممتنعة الحصول عند حصول الكراهات ، فحصول تلك الإرادات والكراهات ، إن كان من العبد ، افتقر العبد في إحداثها إلى إرادات أخرى ، ولزم التسلسل وهو محال. وإن لم يكن حدوثها من العبد ، بل من الله [تعالى ، فعند ما] (٦)
__________________
(١) من (س).
(٢) قيدا (ت).
(٣) من (ت).
(٤) فاسد (س).
(٥) من (س).
(٦) من (س).