والكيفية. لأن المني لما انفصل من كل البدن كانت المشابهة حاصلة في كل البدن ، ولو كان المني لا ينفصل إلا من بعض الأعضاء ، وجب أن لا تحصل المشابهة إلا في تلك الأعضاء.
والثالث : إنه لو حصل الخلل في عضو من أعضاء الوالدين ، فقد يحصل مثله في الولد ، وكذا القول في الشامات والعلامات الموجودة في جلد الوالدين ، فإنه يحصل في جلد الولد مثله ، فهذه الأحوال أمارات قوية ، توهم أن المني إنما انفصل من كل البدن ، لا من بعض أجزائه ، وعلى هذا القول فالجزء الذي ينفصل من اللحم ينعقد لحما ، والجزء الذي ينفصل من العظم ينعقد عظما ، وإذا عرفت هذا ظهر أن جرم المني ، وإن كان متشابه الأجزاء بحسب الحس ، إلا أنه مختلف الأجزاء في الحقيقة.
وإذا عرفت هذا ، فاعلم أنا نذكر كيفية الاستدلال بتكون البدن من المني على وجود الصانع الحكيم ، على كل واحد من القولين. أما على القول بأن جسم المني مشابه للأجزاء في الحقيقة [فتقرير الدليل : أن نقول : إن جسم المني متشابه الأجزاء في الحقيقة] (١) ونسبة حرارة الرحم ، والقوة الطبيعية [وتأثيره بالطبائع] (٢) والأنجم والأفلاك إلى جميع أجزاء ذلك المني على السوية. والقابل إذا كان متشابه الأجزاء كانت نسبة تأثير الفاعل إلى جميع تلك الأجزاء على السوية ، فعلى هذا التقدير يجب أن يكون الأثر متشابها [وأن يكون الفعل متساويا] (٣) وكان يجب أن يكون بدن الإنسان جسما متشابه الأجزاء من الطبع والصفة والخاصية ، ومعلوم أنه ليس كذلك.
وأيضا : فمذهب الحكماء أن القوة الواحدة إذا عملت في المادة الواحدة ، وجب أن يكون الشكل الحاصل هو الكرة ، فكان يلزم أن يكون بدن الإنسان من جسم واحد متشابه الأجزاء في الطبيعة ، وأن يكون شكله هو الكرة ،
__________________
(١) من (ز).
(٢) من (ز).
(٣) من (ز).