القرآن العظيم ، في أكثر من ثمانين موضعا (١).
فإن قيل : السؤال عليه من وجوه :
الأول : لم لا يجوز أن يقال : إن كل واحد من أجزاء الرحم مخصوص بخاصية لأجلها ، توجب حدوث الكيفية المخصوصة في الجزء الذي يتصل به من المني ، فيكون تولد الأعضاء المختلفة لهذا السبب؟
السؤال الثاني : لم لا يجوز أن يقال : حلّ في جسم المني قوة مخصوصة ، وهي المسماة بالقوة المولدة ، وتلك القوة المولدة هي التي أفادت هذه الآثار المختلفة وفعلت هذه الآثار العجيبة؟ فإن قالوا : هذا محال لأن هذه القوة الحالة في جسم المني ، المسماة بالقوة المولدة ، إما أن يكون لها علم بوجود المنافع والمصالح وقدرة على تحصيل الوجه الأصلح الأصوب من التركيبات الموافقة ، وإما أن يقال : هذه القوة قوة لا شعور لها [بشيء] (٢) ولا قدرة لها على تحصيل شيء ، بل هي قوة خالية عن الشعور والإدراك.
أما القسم الأول : فهو باطل. إذ لو كان الأمر كذلك ، لكانت تلك القوة عالمة بوجود المنافع والمصالح ، والمضار ، والمفاسد ، وقادرة على تحصيل المنافع ، ودفع المضار ، ولكانت هي التي خلقت هذا البدن ، وركبت هذه البنية على هذا التركيب العجيب ، والتأليف الغريب ، لكنا نعلم بالضرورة أنه ليس الأمر كذلك لأن القوى البدنية ، والنفس الإنسانية [في حال كمال العقل ، وفي حال كمال البدن أكمل حالا مما كانت في أول الأمر حال ما كان البدن نطفة ، فلما لم تقدر النفس الإنسانية] (٣) حال كمالها على شيء من هذه الأحوال ، ففي الحالة التي كانت في غاية النقصان والتصور. كيف يعقل أن يقال : إنها
__________________
(١) من ذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون ١٢ ـ ١٤].
(٢) من (س).
(٣) من (ز).