فإنه لا يكون كاملا في تلك الحرفة ، ولا ماهرا في تلك الصنعة ، أما إذا بلغ [حد] (١) الكمال ، والتمام في الحرفة ، فذاك إنما يكون إذا استغنى عن التأمل في حرف حرف ، ونقر نقر ، ويصير متمرسا على الإتيان بذلك العمل بمقتضى الطبيعة. وهذا يدل على أن عمل الطبيعة في غاية الكمال والتمام.
السؤال الثالث : أن نقول : إن دلّ ما ذكرتم على أن هذا التركيب لم يصدر إلا من إله العالم ، فههنا ما يدل على فساده ، وذلك لأن هذه التركيبات العجيبة كما أنها حاصلة في تركيب بدن الإنسان ، فهي أيضا حاصلة في تركيب بدن البعوض ، والبق ، والنمل ، والدود ، فلو قلنا : بأن هذه التركيبات لا تحصل إلا بإيجاد خالق العالم. ألزمناه بأن نقول : بأن تولد الدود في النجاسة لم يحصل إلا بإيجاد (٢) إله العالم ، وكذلك القول في تولد جميع الحيوانات الخسيسة القذرة ، وذلك بعيد ، لأن إله العالم على جلالة قدرة ، يبعد أن يتولى إيجاد هذه الحيوانات الخسيسة.
السؤال الرابع : سلمنا أن بدن الخلق (٣) لا يتكون إلا بتخليق فاعل حكيم ، فلم لا يجوز أن يقال : ذلك الخالق هو فلك من الأفلاك ، وكوكب من الكواكب ، وهي أحياء ناطقة عالمة حكيمة ، تامة الحكمة كاملة العلم؟ فما لم تبطلوا هذا الاحتمال ، لم يتم دليلكم في إثبات الإله الحكيم.
السؤال الخامس : إن خالق أبدان الحيوانات شيء آخر سوى الأفلاك والكواكب ، فلم لا يجوز أن يقال : خالقها روح من الأرواح الفلكية ، مثل نفس ، أو عقل ، أو ملك من الملائكة ، على ما هو مذهب الهند. فإنهم يعتقدون أن المدبر (٤) لكل طرف [من أطراف] (٥) الأرض ولكل بقعة من
__________________
(١) من (س).
(٢) بتخليق (س).
(٣) الحيوانات (س).
(٤) المؤثر (س).
(٥) من (س).