الفصل الثالث والعشرون
في
إقامة الدلالة على وجود إله العالم بناء على
حدوث الصفات من طريق آخر
اعلم أن الطريق الذي ذكرناه في الاستدلال بحدوث بدن الإنسان هو استدلال بحال[من الأحوال.
وهاهنا طريق شبيه به ولكنه استدلال بحال (١)] من أحوال عالم الأفلاك وهو العالم الأعلى. ومن المعلوم : أن الاستدلال بأحوال ذلك العالم على وجود الإله أظهر وأقوى. كما قال في الكتاب الإلهي : «لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس» (٢). وهذا الطريق هو الذي كان يعول عليه قدماء الفلاسفة في إثبات الإله ، لهذا العالم. قالوا : حصل في هذا العالم أدوار لا نهاية لها ، وحركات لا أول لها ولا آخر ولا بد لها من فاعل ، وفاعلها يكون قويا على أفعال لا نهاية لها ، وفاعل الأفعال (٣) التي لا نهاية لها ، يمتنع أن يكون جسما أو جسمانيا ، فوجب الاعتراف بموجود ليس بجسم ولا بجسماني ، وهو المحرك لهذه الأفعال ، والكواكب. وذلك الموجود هو الله تعالى.
واعلم أن هذا الدليل مركب من مقدمات :
المقدمة الأولى : في إثبات حركات لا أول لها ولا آخر لها. والحكماء عولوا
__________________
(١) من (ز).
(٢) غافر ٥٧.
(٣) أفعال (ز).