أفعال غير متناهية عن القوة الجسمانية.
فقد ظهر من هذا الوجه صحة هذه المقدمات. وإذا ثبت هذا فنقول : ثبت بالدليل وجود حركات غير متناهية ، وثبت بالدليل أنه لا بد لها من مؤثر يؤثر فيها ، ومن موجد يوجدها ، وثبت بالدليل أن موجد الأفعال الغير متناهية يمتنع أن يكون جسما أو جسمانيا فلم يبق إلا الاعتراف بوجود موجود ليس بجسم ولا بجسماني ، وهو المحرك لأجرام الأفلاك والكواكب ، وهو المحرك للعناصر بحسب امتزاجاتها التي لا بداية لها ، وذلك الموجود هو إله العالم ومدبر العالم. وهذه الطريقة كان قدماء [الفلاسفة من (١) أصحاب أرسطاطاليس يعوّلون عليها في إثبات الإله لهذا العالم.
واعلم أن مذهب المتكلمين : أن القول بوجود حوادث لا أول لها محال ، وأنه يجب انتهاء الحوادث إلى حادث هو أول الحوادث. ودلائلهم كثيرة سنذكرها في مسألة الحدوث والقدم. إلا أنا نذكر هاهنا واحدا من تلك الدلائل ، فنقول : إن الدليل على أن [الأمر] (٢) كما ذكرناه : أن ماهية الحركة وحقيقتها : أنها انتقال من حالة إلى حالة ، وكل ما كان كذلك فإن حقيقته تقتضي أن يكون مسبوقا [بالحالة المنتقل عنها ، وكل ما كان كذلك ، فإن حقيقته تقتضي أن تكون مسبوقة] (٣) بغيرها ، فثبت أن حقيقة الحركة وماهيتها تقتضي أن تكون مسبوقة بغيرها. واما [حقيقة] (٤) الازل ونفى الاولية فهي تقتضى ان لا تكون مسبوقة بغيرها ، وإذا ثبت هذا فنقول : لو فرضنا حركة موجودة في الأزل ، فهي لكونها حركة. إما أن تكون مسبوقة بغيرها ، أو لكونها أزلية يجب أن لا تكون مسبوقة بغيرها. وذلك يوجب الجمع بين النقيضين ، وهو محال. فيثبت بهذا البرهان : أنه لا بد للحركات من أول ، ومن بداية ، وإذا ثبت هذا فنقول : إنه قبل ذلك الوقت الذي هو أول الحركات ، إما أن يقال : كانت
__________________
(١) من (ز).
(٢) من (ز).
(٣) من (ز).
(٤) سقط (س). والأول (ز).