الأجسام بأسرها معدومة ثم وجدت وتحركت ، أو يقال : الأجسام وإن كانت موجودة إلا أنها كانت واقفة ساكنة ، فلما جاء ذلك الوقت أحدث في حركاتها السريعة ، بعضها إلى المشرق وبعضها إلى الغرب ، وبعضها إلى الشمال ، وبعضها إلى الجنوب. وعلى كلا التقديرين فصريح العقل يشهد بافتقارها إلى إله يحركها ويدبرها. وأما إن قلنا : إنها كانت معدومة [محضة] (١) ثم وجدت وتحركت ، فالعقل يقضي بافتقارها إلى الموجد ، وأما إن قلنا : إنها كانت موجودة ، (٢) ولكنها كانت واقفة ثم ابتدأت من ذلك الوقت بالحركة فإن العقل أيضا يقضي بافتقارها إلى المحرك والمدبر ، فثبت أن حركات الأفلاك تدل على جميع الاعتبارات ، على افتقارها إلى مدبر يدبرها [ومحرك يحركها. واعلم أن الفلاسفة. قالوا : حركات الأفلاك لا أول لها ، فوجب افتقارها إلى محرك يحركها ، ومدبر يدبرها] (٣) والمتكلمون قالوا : حركات الأفلاك لها أول. فوجب افتقارها إلى محرك ومدبر. ويمكن أيضا أن يقال : هذه الحركات إما أن يقال : إنه لا أول لها ، وإما أن يقال : لها أول.
فإن قلنا : إنه لا أول لها وجب افتقارها إلى الإله الذي ليس بجسم ولا بجسماني بالطريق الذي ذكره الفلاسفة ، وإن قلنا : إن تلك الحركات لها بداية ، ولها أول ، وجب أيضا افتقارها إلى المؤثر المحرك بالطريق الذي ذكره المتكلمون.
فظهر أن على جميع التقديرات لا بدّ من الاعتراف بوجود إله لهذا العالم يدبره ويتصرف فيه كيف [شاء] (٤) وأراد : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٥) [وبالله التوفيق] (٦).
__________________
(١) من (س).
(٢) معدومة (س).
(٣) من (س).
(٤) من (س).
(٥) الأعراف ٥٤.
(٦) من (ز).