الثاني عشر : سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (١) عن الدليل [فقال : الدليل عليه] (٢) نقص العزائم ، وفسخ الهمم ، وتقرير هذا الدليل : هو أن الإنسان يسعى في تحصيل شيء من المطالب [على أقصى الوجوه] (٣) ويتعذر عليه ذلك وقد لا يسعى في تحصيله البتة فيحصل. فلو كان حصول هذه الأحوال بسعيه ، لوجب أن يحصّل ما سعى في تحصيله ، وأن يمتنع ما سعى في امتناعه ، ولما كان الأمر بالعكس من ذلك. علمنا : أن تدبير أحوال هذا العالم ، وتقدير حوادثه يتعلق بحكمة موجود قهر بقدرته قدر العباد.
الثالث عشر : سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الدليل. فقال : إن الناس يبالغون في تعظيم الأعاجم [حيث استخرجوا] (٤) علم الشطرنج فإنهم وضعوا طريقا عجيبا ، يظهر في الرقعة المختصرة أنواعا من اللعب والمماسات غير متناهية. ثم قال : وإن رقعة وجه الإنسان أصغر من رقعة الشطرنج ، وإن تلك المماسات (٥) الموضوعة في بيوت الشطرنج قد تنتقل من بيت إلى بيت ، وأما الأعضاء الموضوعة في رقعة وجه الإنسان فإنها لا تنتقل عن أمكنتها. ثم مع هذه الأحوال ، فإنك لا ترى إنسانين في المشرق ، والمغرب يتشابهان في صورة الوجه البتة. وهذا يدل على كمال قدرة هذا الخالق المصور. حيث أظهر الأنواع التي لا نهاية لها من التفاوت ، في هذه الأجسام القليلة الموضوعة في هذه الرقعة الصغيرة.
واعلم أنك إذا وقفت على هذه الدقيقة علمت أنه لا يوجد إنسانان تتشابه صورتاهما البتة ، ولا يوجد إنسانان تتشابه أحوالهما حتى أن كل واحد لا بد وأن يخالف صاحبه في الطبع والخلق والمشي وفي كور العمامة. وفي الخط ، والكتابة ، والحظ من السعادة والشقاوة. وهذا باب واسع وبحر لا ساحل له.
__________________
(١) كرم الله وجهه (س).
(٢) من (س).
(٣) من (ز).
(٤) من (س).
(٥) المناسبات (ز).