الرابع عشر : قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : هل رأيت ربك؟ فقال : لا أعبد ربا لم أره. فقيل له : كيف رأيته؟ فقال : ما رأته [العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته] (١) القلوب بحقائق العرفان. فقيل له : صف ربك. فقال : إن ربي لطيف الرحمة ، كبير الكبرياء ، جليل الجلالة ، قبل كل شيء ، وليس له قبل ، وبعد كل شيء ، وليس له بعد ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، باطن لا بالمباعدة ، سميع بلا آلة ، بصير بلا حدقة ، لا تحده الصفات ، ولا تأخذه السنات ، القدم وجوده ، والأبد أزليته. الذي أيّن الأين. لا يقال له : أين ، والذي كيّف الكيف ، لا يقال له : كيف.
الخامس عشر : قيل لذي النون المصري : بم عرفت ربك؟ قال : عرفت ربي بربي ، ولو لا ربي [أخبرني] (٢) لما عرفت ربي.
واعلم أن معنى الكلام : أنه سبحانه غرس شجرة المعرفة في أراضي الأرواح ، فهذه الشجرة أرضها الطاعة ، وماؤها العبودية ، وأغصانها الذكر ، وثمرتها الفكر ، فمن واظب على هذه الأعمال وجد هذه الآثار ، ولو لا أنه سبحانه ملأ الأرواح من معرفته ، وأنار القلوب بمحبته ، وإلا فكيف يليق بكف من التراب ، معرفة رب الأرباب؟ وهذا الكلام الذي ذكره ذو النون مأخوذ من قول [النبي صلىاللهعليهوسلم] (٣).
والله لو لا الله ما اهتدينا |
|
ولا تصدقنا ، ولا صلينا |
السادس عشر : كان رجل مضطجعا في ظل شجرة فسقطت ورقة من تلك الشجرة على وجهه ، فتعجب من كيفية تولد هذه الورقة الخضراء الناعمة من تلك الخشبة اليابسة الكثيفة ، فقال : من الذي أنبت الورق على الشجر؟ [فنام فرأى في منامه كأن قائلا يقول: الذي أنبت الورق على الشجر] (٤) هو
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).
(٣) من (ز).
(٤) من (س).