الخامس : إن ميل القلوب إلى أهل الدين ، والطاعة ، أكثر من ميلها إلى أهل الدنيا ، وكل ذلك يدل على أن كل من كان أوغل في عبودية الله ، كان أقرب إلى الخيرات ، ولما رأينا بحسب هذه التجربة أن الإقرار بالإلهية ، والاعتراف بوجوب الطاعة والخدمة ، كمال السعادات في الدنيا. فهذا من أدل الدلائل على وجود الإله الرحيم الحكيم.
وهذا النوع من الدلائل كثير في القرآن العظيم. قال الله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١) وقال : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) إلى قوله : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ ، وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) (٢).
وبالجملة : فلما دلت المشاهدة والتجربة على أن الاعتراف بهذه المعاني سبب لانفتاح أبواب السعادات [والإعراض عنها سبب لانفتاح أبواب الآفات] (٣) علمنا أن الطريق الحق والمنهج الصدق هو الإقرار بوجود الإله الحكيم الرحيم. فهذا هو الإشارة إلى الدلائل المستنبطة من علم التواريخ على وجود الإله لهذا العالم.
الطائفة الثانية : طوائف أصحاب الرياضيات وأرباب المكاشفات :
واعلم أن طريقهم يدل على وجود الإله الحكيم الرحيم من أنواع :
النوع الأول : أن نقول : إن صريح العقل شاهد بأن الموجودات على ثلاثة أقسام : الأجسام ، وصفات الأجسام ، والذي لا يكون جسما ولا حالا في الجسم.
أما القسمان الأولان فهما اللذان يسميان الجسمانيات.
وأما القسم الأخير : فهو المسمى بالروحانيات ، فثبت بهذا التقسيم : أن الموجودات إما جسمانية ، وإما روحانية. إذا عرفت هذا فنقول : إن فطرة جميع
__________________
(١) يوسف ١١.
(٢) الدخان ٢٩.
(٣) من (ز).