إهانته واذلاله ، ويزيدون إهانته على إهانة الصبيان ، وكل ذلك يدل على أن إهانة الجسمانيات ، وتعظيم الروحانيات أمر مركوز في العقول ، مغزوز في النفوس ، يعترف به أهل الملل والنحل ، ويقر به جميع طوائف أهل العالم بل نزيد ونقول : إن الصبيان إذا رأوا الأكابر من الناس يخشونهم ، ويفرون منهم ، وما ذاك إلا لأجل إن روحانية الأكابر أقوى من روحانية الأصاغر بل نزيد ونقول : إن السباع القوية ، والبهائم الشديدة إذا رأت الإنسان فإنها تهابه وتحتشمه ، مع أن الإنسان بالنسبة إليها في غاية الضعف ، وما ذاك إلا لأن الصفات الروحانية مهيبة معظمة بالطبع ، السباع والبهائم الشديدة القوية ، تهاب الإنسان وتحترمه وتعظمه وتفر منه لهذا السبب.
فثبت بهذه التنبيهات : أن تعظيم جانب الروحانيات على الجسمانيات كالأمر المتفق عليه بين جميع الحيوانات.
والوجه الثاني : من الدلائل الدالة على ترجيح جانب الروحانيات على جانب الجسمانيات : أن الصبي إذا بلغ إلى حد أن يفهم الكلام ، فإن المرأة الشيخة إذا جلست وذكرت الحكايات من باب الخرافات لذلك الصبي [صار الصبي] (١) مستغرقا في سماع تلك الخرافات ، فإذا عرض عليه أطيب الطعام وألذ الشراب ، فإنه يعرض عنه ، ولا يلتفت إليه ، ويبقى مشتغلا بسماع تلك الحكايات ، وذلك يدل على أن اللذة الحاصلة بسبب سماع تلك الخرافات أشد وأقوى من اللذة الحاصلة من ذلك الطعام [ومن ذلك] (٢) الشراب ، وذلك [يدل] (٣) على أن الروحانيات أقوى حالا من الجسمانيات ، وكذلك المشتغل بلذة (٤) النرد والشطرنج ، قد يبقى معرضا عن الأكل والشرب مدة طويلة مع أنه لا يحس [البتة] (٥) بألم الجوع والعطش ، وما ذاك إلا لأن لذة الغلبة ، آثر
__________________
(١) من (س).
(٢) من (ز).
(٣) من (س).
(٤) يلعب (س).
(٥) من (س).