عنده من لذة الأكل والشرب والوقاع ، وكل ذلك يدل على أن الروحانيات أشرف وآثر من الجسمانيات.
والوجه الثالث : أن كل ما كان سعادة وغبطة وكمالا ، فإن إظهاره يكون مطلوبا لكل أحد ، وإذا كان إظهاره مستقبحا عند كل أحد ، فيدل على أن ذلك الشيء ليس من جنس الكمالات.
إذا عرفت هذا فنقول : أقوى اللذات الجسمانية : لذة الوقاع فلو كانت هذه اللذة من جنس السعادات والكمالات ، لوجب أن يكون إظهارها مستحسنا في العقول ، ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك ، بل العاقل يستحي من ذكره فضلا عن إظهاره. وأيضا : قد جرت العادات (١) بأن الناس لا يشتم بعضهم بعضا إلا بذكر الألفاظ الدّالة على تلك الأحوال ، ولو كانت [تلك] (٢) اللذة من باب السعادات لما كان ذكرها أعظم أنواع الشتم [والإهانة] (٣) وكل ذلك يدل على أن هذه الأحوال ليست من باب [السعادات] (٤) البتة.
فأما الأحوال الروحانية ، وهي العلم بحقائق الأشياء ، والإعراض عن الجسمانيات ، والإقبال على عالم الروحانيات ، فإن كل أحد يبتهج بها ويستسعد بذكرها ، حتى أن من كان خاليا عنها ، فإنه يأتي بأفعال وأحوال توهم كونه موصوفا بها ليتوسل بذلك إلى إقبال الناس على خدمته ، والانقياد الى طاعته. وكل هذه الاعتبارات دالة على أن الجسمانيات مستحقرة باتفاق الخلق [وعلى أن الروحانيات مهيبة معظمة باتفاق جمهور الخلق] (٥).
والوجه الرابع : [من الاعتبارات (٦)] الدالة على صحة ما ذكرناه : إنا نجد القلوب والنفوس كلها اتفقت [على أن الإنسان ، كلما أقبل] (٧) على ذكر الدنيا وكيفية الحيلة في تحصيلها ، وترتيب الوجوه التي بها يتوسل إلى الفوز بها ،
__________________
(١) العادة (س).
(٢) من (س).
(٣) من (ز).
(٤) من (ز).
(٥) من (ز).
(٦) من (ز).
(٧) زيادة.