أظلم روحه ، وضاق قلبه ، وكثر ضجره وعظم اضطرابه ، وبقي في الحيرة ، والدهشة ، وكلما كان توغله في حب الدنيا وطلب خيراتها أكثر ، كانت هذه الأحوال الموحشة الظلمانية عنه أقوى وأكمل. أما إذا قلبت القضية وقلت : كلما أعرض عن اللذات الجسمانية ، وأقبل على طلب المعارف ، وعلى عالم الروحانيات ، حصل في قلبه أنواع البهجة والراحة والسرور [فإنك تكون على صواب] (١) وإلى هذا التحقيق الإشارة بقوله تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (٢). وكل ذلك يدل على أن الروحانيات أكمل حالا من الجسمانيات.
والوجه الخامس : في تقرير هذا المعنى أن الإنسان إذا حصل في قلبه نور من أنوار عالم الروحانيات ، قويت قوته ، وعظمت شوكته ، وصار بحيث لا يبالي بملوك الدنيا ، وكل ما سواه ، فإنهم يهابونه ويستعظمون القرب منه.
قال على بن أبي طالب : «والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية ولكن بقوة إلهية». وأيضا : «فالأنبياء والأولياء لا يبالون بكثرة الأعداء ، ولا يقيمون لهم وزنا عند ظهور الأحوال الروحانية عليهم ، فدلت هذه الاعتبارات على أن العالم الروحاني أعلى وأعظم وأبهج من العالم الجسماني.
إذا عرفت هذا فنقول : إن أصحاب الرياضيات والمشاهدات ، قد انكشف لهم : أن العالم الجسماني [كالمثال للعالم الروحاني ، وأن الأصل هو العالم الروحاني ، وأن العالم الجسماني] (٣) كالظل ، والرسم ، والخيال ، من العالم الروحاني.
وإذا عرفت هذا فنقول : فلنعتبر (٤) أحوال العالم الجسماني ، ثم ننتقل منها إلى اعتبار عالم الروحانيات ، فنقول : إنا (٥) إذا تأملنا في موجودات هذا العالم الجسماني ، وجدناها مختلفة الدرجات في مراتب الكمال والنقصان ،
__________________
(١) زيادة.
(٢) الرعد ٢٨.
(٣) من (ز).
(٤) فلنعرف (س).
(٥) لما تأملنا (س).