وذلك لأن الجسم المحض ، الخالي عن القوى النفسانية يكون في غاية النقصان ، مثل طبقات العناصر [الأربعة] (١).
ثم إن هذه العناصر الأربعة أيضا متفاوتة في الكمال والنقصان ، وكل عنصر كانت الجسمانية فيه أكثر ، والروحانية أقل ، كان أخس. وكل عنصر كانت الروحانية فيه أكثر كان أشرف. فأخس العناصر هو الأرض لأنه ليس فيها إلا القبول والتأثير ، والقوة الفاعلة فيها ضعيفة جدا. وأما الماء فإنه بسبب ما فيه من اللطافة والحركة حصلت له قوة مؤثرة ، فلا حرم كان الماء بالنسبة إلى التراب كالروح بالنسبة إلى البدن. ولما كان الهواء أكمل لطافة ، وأصفى جوهرا من الماء [لهذا السبب ، فإن الهواء مستولي على الماء] (٢) وأما النار فإنها لما كانت مشرقة عالية قوية على الفعل والتأثير ، لا جرم كانت أشرف العناصر وأعلاها. وظهر أنا لما اعتبرنا أحوال العناصر الأربعة وجدنا أنها كلما كانت أقل روحانية ، كانت أخس. وكلما كانت أكثر روحانية كانت أشرف وأعلى ، وهذا الاعتبار أيضا يدل على أن الروحانيات أشرف من الجسمانيات.
وأما الأجسام السفلية المركبة فهي ثلاثة أنواع : المعادن ، والنبات ، والحيوان. ولا شك أن القوة النفسانية الروحانية في المعادن في غاية القلة ، وفي النبات في المرتبة المتوسطة ، وفي الحيوان في المرتبة العالية. فلا جرم كان أخس هذه الثلاثة هو المعادن ، وأوسطها النبات ، وأشرفها الحيوان. ثم إن الحيوان أنواع كثيرة ولها درجات متفاوتة في الخسية والشرف ، وأكثر الحيوانات روحانية هو الإنسان ، فلا جرم كان الإنسان سلطان الحيوانات ومتصرفا فيها ، وسائر الحيوانات كالعبيد له.
ثم نقول : وأصناف الناس فيهم كثرة إلا أنهم على اختلاف أصنافهم وتباين مراتبهم ، مشتركون في حكم واحد وهو أن كل من كانت الروحانية عليه أغلب ، كان أشرف وأعلى.
__________________
(١) من (س).
(٢) من (ز).