النوع الثاني (١) من دلائل أصحاب المكاشفات ، وأرباب المجاهدات : قالوا : قد ثبت أن الموجودات إما روحانية ، وإما جسمانية.
فنقول : أما عالم الأجسام فهي إما نيرة وإما مظلمة. وأما النّيرات فهي أربعة :
الشمس ، والقمر ، والكواكب ، والنار. وأعلى هذه الأربعة وأشرفها هو الشمس ، لأنها ينبوع النور القاهر ، والضوء الظاهر وعند طلوعها تضمحل
__________________
ـ يراه. الذي له الكرامة والقدرة الأبدية» [١ تيمو ٦ : ١٥ ـ ١٦].
ثالثا : لقد ظهر مما تقدم أن عقيدة التوحيد مع التنزيه. صرحت بها التوراة ، وصرح بها الإنجيل ، وصرح بها القرآن الكريم. وإذا كان الأمر كذلك. فلما ذا يقول النصارى بالتجسد وبالتعدد. وليس على التجسد والتعدد دليل من التوراة ، أو دليل من الإنجيل؟ إن التوراة ـ رغم تحريفها ـ تشهد بالتوحيد وبالتنزيه. والأناجيل ـ رغم تحريفها ـ تشهد بالتوحيد وبالتنزيه. فمن أين إذن عقيدة التجسد وعقيدة التعدد؟
والإجابة على ذلك : تدل كتب التواريخ على أن الإمبراطور الروماني «قسطنطين» جمع النصارى في مدينة «نيقية» وهي «تركيا» الآن. في سنة ثلاثمائة وخمسة وعشرين من ميلاد المسيح ، وأراد منهم أن يقولوا بدين فيه عقائد الرومان وفيه عقائد النصارى. أي يوحدوا الديانتين في ديانة واحدة. وكان النصارى يضطهدون من قبل ملوك الرومان لئلا يظهروا أن نبيا بشر به المسيح سيأتي. وسيمتد ملكه إلى أقصى الأرض. وسوف يزيل نفوذ الرومان من العالم. ولقد رضي النصارى القليلو الإيمان بذلك. واتفقوا على «قانون الإيمان» وفيه : الاعتراف بأن الله واحد ، وأن المسيح إله ثان. ثم في مدينة «القسطنطينية» سنة ثلاثمائة وواحد وثمانين اتفقوا على أن «الروح القدس» إله ثالث. وفي مجمع «خليقدونية» على شاطئ «البسفور» في سنة أربعمائة وواحد وخمسين انقسم النصارى إلى أرثوذكس وكاثوليك. وظل الانقسام إلى اليوم. فالكاثوليك قالوا بالآلهة الثلاثة. والأرثوذكس قالوا بإله واحد قد تجسم في صورة المسيح. وهذا الكلام ثابت من كتب تواريخ النصارى أنفسهم ، ولا يشك أحد منهم في صدقه.
ولو أن النصارى اليوم ، وقد خف عنهم عذاب الرومان. رجعوا إلى كتبهم المقدسة التي بين أيديهم رغم تحريفها. لوجدوا فيها كما قلنا : عقيدة التوحيد والتنزيه. وأن المسيح بن مريم رسول من رسل الله ، ونبي من أنبياء الله مثل هارون وإلياس واليسع ـ عليهمالسلام ـ وعندئذ يتفقون مع اليهود ومع المسلمين في عقيدة التوحيد والتنزيه. وإذا أصروا على عقيدة التجسد ، وعقيدة التعدد. فإنهم لا يتفقوا أبدا مع المسلمين ، ولا مع المسيح نفسه ، ولا مع موسى نبي بني إسرائيل في التوحيد والتنزيه. والله أعلم.
(١) لاحظ أنهم أربعة أنواع.