قريبة عند الأذهان السليمة ، والعقول الصافية. ومن خاض في مقام الرياضات (١) ، وكانت نفسه في أصل الفطرة مشرقة علوية [إلهية] (٢) أبصر بعين بصيرته كل ما ذكرناه ، إبصارا لا شك له فيه. والله ولي الإرشاد.
النوع الثالث من دلائل أصحاب الرياضات : أن قالوا : إن أصحاب الشكوك والشبهات ، وإن اجتهدوا في تقرير الخيالات الباطلة ، وتأكيد الشبهات الفاسدة في نفي الإله المدبر ، إلا أنه إذا نزلت بهم حادثة مؤلمة وواقعة مهيبة ، فإنهم يجدون من صريح عقولهم وقلوبهم : التضرع ، وإظهار الخضوع لإله العالم ، والطلب منه أن يخلصهم من تلك البلية ، ويخرجهم من تلك المحنة. ووجدان هذه الحالة كالأمر المعلوم بالضرورة بالاستقراء والاعتبار. ثم بعد الخلاص من تلك البلية ، ربما عادوا إلى تقرير الشبهات ، وإيراد الخيالات. وإليه الاشارة في القرآن بقوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (٣) وهذا يدل على أن جميع العقول السليمة ، مقرة بوجود الإله الحكيم.
النوع الرابع من دلائل أصحاب الرياضات والمكاشفات : ما يعلمه كل أحد بصحة التجربة والاختبار من إجابة دعاء المضطرين ، وإغاثة الملهوفين ، وإعانة المظلومين على الظالمين ، وكل من كان أصفى نفسا ، وأقوى روحا ، وكان أقوى في الانجذاب إلى الروحانيات ، وأبعد من الالتفات إلى الجسمانيات ، كان في هذا الباب أقوى وأكمل ، وذلك يدل على أن لهذا العالم إلها ، يسمع الدعاء ويجيب النداء ، فهو تعالى منتهى طلب الحاجات ، ومن عنده نيل الطلبات. فالأيدي ترفع إليه ، والأبصار تخشع له ، والرقاب تخضع لقدرته (٤) ، والألسنة متشرفة بذكر جلاله. فيستغنى به ، ولا يستغنى عنه ، ويرغب إليه ، ولا يرغب عنه ، ولا تنقطع عن حضرته حوائج المحتاجين ، ولا
__________________
(١) مقدمات الرياضة (ز).
(٢) من (ز).
(٣) العنكبوت ٦٥.
(٤) تخضع له (س).