يتشوش علمه بكثرة سؤال السائلين. ف (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١).
[فهذه هي الوجوه التي حصلناها من كلمات أصحاب الرياضات] (٢).
الطائفة الثالثة من طوائف أهل العالم : الذين حصلت لهم عقول كاملة وأفهام صحيحة ، إلا أنهم لم يشتغلوا بطلب العلوم الدقيقة. ولقد سمعت من هذا الجنس [من الناس] (٣) عبارات صحيحة دالة على إثبات الإله لهذا العالم.
فالطريق الأول : قال بعضهم : رعاية الاحتياط في كل شيء ، أولى من إهمال الاحتياط. فنقول : القول بإثبات الإله المختار للمكلف أقرب إلى الاحتياط من القول بنفيه، فكان الذهاب إلى هذا القول أولى. أما بيان أنه أحوط. فتقريره أن نقول : هذا العالم : إما أن يكون له إله ، وإما أن لا يكون. فإن لم يكن ، كان القول بإثباته مضرا ، فثبت أن القول [بإله العالم] (٤) أقرب إلى الاحتياط. ثم نقول : إله العالم إما أن يكون فاعلا مختارا ، أو لا يكون (٥) ، فإن لم يكن فاعلا مختارا كان إثبات الفاعل المختار غير مضر. أما إن كان فاعلا مختارا كان نفيه مضرا. فكان إثبات الفاعل المختار أبعد عن الضرر ، وأقرب إلى الاحتياط.
ثم نقول : هذا الإله الفاعل المختار. إما أن يقال : إنه كلف العباد ، وأمرهم ببعض الأشياء ، ونهاهم عن بعضها ، وإما أن يقال : إنه ليس كذلك ، فإن لم يكن كذلك لم يلزم من القول بكونه آمرا ناهيا ضرر ، وإن كان كذلك كان إنكار كونه آمرا ناهيا أعظم المضار. فثبت بما ذكرنا : أن الاعتراف بأن لهذا العالم إلها ، وأن ذلك الإله فاعل مختار ، وأنه آمر ناهي أبعد عن
__________________
(١) غافر ٦٥.
(٢) من (ز).
(٣) من (ز).
(٤) بإثباته (س).
(٥) العبارة مكررة في (س).