الخوف ، وأقرب إلى الاحتياط ، وإذا كان الأمر كذلك ، وجب أن يكون المصير إلى هذا المذهب والاعتقاد ، أحوط. لأن عند استيلاء الخوف الشديد ، يكون الأخذ بالجانب الأحوط متعينا. [والله ولي التوفيق] (١).
الطريق الثاني : كان بعض العقلاء يقول : إن لطمة واحدة تضرب على وجه صبي ، تظهر أن لهذا العالم إلها وأن هذا الإله أمر بعض عباده بأشياء ، ونهاهم عن أشياء ، وأن ذلك الإله أعد للمطيعين ثوابا ، وللمذنبين عقابا ، وأنه (٢) بعث إلى الخلق رسلا مبشرين ومنذرين. وهذه هي الأصول الأربعة التي هي أشرف المطالب وأعز المقاصد.
أما دلالة هذه اللطمة على المطلوب الأول وهو إثبات الإله تعالى فنقول : ذلك الصبي إذا أحس بتلك اللطمة ، ففي الحال يصيح ويقول : من الذي ضربني؟ ومن الذي لطم وجهي؟ ولو أن أهل الدنيا يجتمعون عليه ويقولون : إن هذه اللطمة حصلت [بنفسها] (٣) من غير فاعل ، فإنه لا يقبل هذا القول ، ولا يؤثر فيه هذا الكلام ، وهذا يدل على أن صريح العقل [وأول الفطرة ، شاهدة بأن الفعل] (٤) لا بد له من فاعل والحادث لا بد له من محدث ، ومتى ظهرت هذه المقدمة فنقول : إذا كان صريح العقل يستبعد حدوث تلك اللطمة من غير فاعل ، فحدوث جملة الحوادث في عالم الأفلاك ، وعالم العناصر ، كيف يعقل حدوثها بلا محدث وفاعل؟ فصار هذا الاعتبار من أدل الدلائل على دلالة حدوث هذا العالم ، على وجود الصانع المدبر. وأما دلالة هذه اللطمة على المطلوب الثاني وهو كون الإله تعالى موصوفا بالأمر والنهي والتكليف.
فنقول : إن ذلك الصبي إذا عرف أن ذلك الذي لطمه هو فلان ، فإنه في الحال يقول : لم ضربتني؟ وبأي سبب آذيتني؟ وهذا يدل على أن صريح عقله حكم بأن الخلق ما تركوا مهملين معطلين ، بل التكاليف عليهم لازمة ،
__________________
(١) من (ز).
(٢) عزوجل (س).
(٣) من (ز).
(٤) من (س).