والمطالبات عليهم متوجهة ، ولما حكم صريح عقل ذلك الصبي بأن تلك اللطمة الواحدة لا يجوز خلوها عن التكليف ، والأمر والنهي ، فأفعال كل الخلائق مع كثرة ما فيها من المصالح والمفاسد ، أولى بأن لا يجوز خلوها من التكاليف. وأما دلالة هذه اللطمة على المطلوب الثالث وهو حصول ذات الثواب والعقاب. فنقول : إن ذلك الصبي إذا عرف أن ذلك الإنسان لطمه بغير سبب ، فإنه يطلب منه القصاص. فإن عجز عن استيفائه ، استغاث بمن يعينه على تحصيل ذلك المطلوب ، وهذا يدل على أن صريح عقله حكم [بأنه لا بد للحسنة من ثواب ، ولا بد للسيئة من عقاب ، ولما كان صريح عقله حكم] (١) بأن هذه اللطمة لا يمكن إخلاؤها عن الجزاء أو القصاص ، فكيف يمكن إخلاء أفعال كل الخلق (٢) [عن القصاص (٣)؟ وأما دلالة هذه اللطمة على المطلوب الرابع وهو بعثة الأنبياء [عليهمالسلام] (٤) فهو أن الصبي إذا قرر أنه لا بد من القصاص ، فعند ذلك يطلب إنسانا يبين له ذلك القصاص بحيث يكون خاليا عن الزيادة والنقصان. وهذا يدل على أنه تقرر في عقله أنه لا بد في الخلق من إنسان يبين لهم مقادير المرغبات ، ومقادير الزواجر ، وذلك الإنسان ليس إلا الرسول. فظهر بهذا البيان الذي بحثناه (٥) : أن هذه اللطمة الواحدة ، كافية في إثبات هذه المطالب الأربعة الشريفة العالية [ومن الله التوفيق] (٦)
الطريق الثالث : وهو طريق الباحثين عن حقيقة المدة والزمان. قالوا : إن بديهة العقل حاكمة بأن كل محدث ، فإنه لا بد وأن يكون وجوده متأخرا عن غيره. وهذا العلم علم بديهي لا يشك العاقل فيه. وإذا ثبت هذا فنقول : لما كان هو متأخرا عن غيره [كان غيره](٧) متقدما عليه. وذلك الأمر الموصوف بهذا التقدم والقبلية ، إما أن يكون عدما أو وجودا. والأول باطل. لأن العدم المتقدم يشارك العدم المتأخر في المفهوم من كونه عدما ، ويخالفه في القبلية والبعدية ، وما به المشاركة غير ما به المخالفة ، فوجب أن يكون المفهوم من
__________________
(١) من (س).
(٢) العباد (س).
(٣) من (ز).
(٤) من (س).
(٥) لخصناه (س).
(٦) من (ز).
(٧) من (س).