الحجة الثانية عشر : أجمع العقلاء على أن أفراد النوع الواحد يجب تساويها في اللوازم، وصريح العقل شاهد بصحة هذه المقدمة.
وإذا ثبت هذا فنقول : الوجود في حق واجب الوجود ، والوجود في حق ممكن الوجود: طبيعة نوعية واحدة. فوجب أن يصح على كل واحد منهما ، ما يصح على الآخر. ولما كان ذلك باطلا ، علمنا أن الحقيقة المخصوصة لواجب الوجود لذاته حقيقة ، تخالف سائر الحقائق. وأيضا : فقد اتفقت الحكماء على أن الطبيعة النوعية إنما بعرض لها التعدد (١) بسبب القوابل [والماهية الموصوفة بالوجدان ، جارية مجرى القوابل بتلك الوجودات. فثبت أنه لو لا] (٢) الماهيات [المختلفة] (٣) لامتنع وقوع التعدد في طبيعة الوجود ، وحيث وقع التعدد فيه ، علمنا أن وقوع التعدد فيها ، إنما كان بسبب الماهيات المختلفة.
فهذه البراهين التي ذكرناها ولخصناها : وجوه ظاهرة جلية قطعية في إفساد هذا المذهب.
واحتج الشيخ الرئيس : [أبو علي] (٤) في بيان أن وجود الله تعالى يمتنع كونه عارضا [لشيء] (٥) من الماهيات بوجه واحد ذكره في كتاب الإشارات. وأنا أذكر ذلك الوجه ، وأضم إليه تقريرات قوية ، وبيانات كاملة. فنقول : وجود الله تعالى إما أن يكون مستقلا بنفسه (٦) قائما بذاته ، من غير أن يكون تحققه محتاجا إلى تحقق غيره ، وإما أن لا يكون كذلك ، بل يكون تحققه محتاجا إلى تحقق غيره. فإن كان الحق هو الأول ، كان ذلك الوجود قائما بذاته مستقلا بنفسه ، فلا يكون عارضا لشيء من الماهيات. وإن كان الحق هو الثاني ، وهو كون ذلك الوجود غير مستقل بنفسه بل يكون مفتقرا إلى غيره ، فنقول : فذلك الوجود مفتقر إلى غيره ، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته ، فذلك الوجود
__________________
(١) التفرد (س).
(٢) من (س).
(٣) من (ز).
(٤) من (س).
(٥) من (س).
(٦) مستقلا بنفسه ، قائما بنفسه (ز).