ونحن قد بينا بالبرهان اليقيني أن ذلك باطل ، إذ لو كان الأمر كذلك ، لزم أن تكون الأشياء المتساوية ، يلزمها لوازم مختلفة. وذلك محال في العقول.
أما لو قلنا : إنها في أنفسها مختلفة إلا أنها مع اختلافها في حقائقها متشاركة في كونها ذوات ، بمعنى أنها أمور غير تابعة في وجودها لغيرها ، فعلى هذا التقدير فقد حصلت أشياء مختلفة في الماهية ، مع أنها تكون مشتركة في بعض اللوازم. فثبت : أن الحق ما ذكرناه. وإذا كان الأمر كذلك فقط سقط كلامكم.
وأيضا : فمدار هذه الحجة على مقدمتين :
إحداهما : أن الذوات بأسرها متساوية في الذاتية.
والثانية : أن الأشياء المتساوية وجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر. فنقول : إن كان الأمر كذلك كما ذكرتم ، فحينئذ يلزمكم جواز أن ينقلب الخالق مخلوقا والمخلوق خالقا [والممكن واجبا] (١) والواجب ممكنا ، وحينئذ يبطل عليكم كل ما ذكرتموه [ولما لم يلزم هذا ، فكذا] (٢) هاهنا.
الحجة الثالثة : إن فاعل العالم بتقدير كونه محدثا ، فإنه يجب أن يكون الإله الأكبر [الذي هو الخالق لخالق هذا العالم قادرا على خلقه وإيجاده ، وإذا ثبت ذلك فوجب أن يكون] (٣) قادرا على كل الممكنات ، وإذا ثبت ذلك فوجب أن يكون قادرا على خلق هذا العالم ، وإذا ثبت هذا فنقول : لو فرضنا شيئا آخر يقدر على خلق هذا العالم ، لزم حصول مقدور واحد لقادرين وهو محال. فوجب أن يكون هذا الفرض محالا.
واعلم : أن هذه الحجة لا تتم إلا إذا قلنا : إنه لا يؤثر شيء في وجود [شيء] (٤) إلا قدرة الله تعالى ، وأكثر أهل العالم ينازعون في هذا الباب ،
__________________
(١) من (ز).
(٢) من (س).
(٣) من (س).
(٤) من (س).