يكشف حقيقة الأزلية من بعض الوجوه.
المثال الثاني : إن لرقوم حساب الهند ترتيبا عجيبا ، فإن الواحد في المرتبة الأولى واحد، وفي الثانية عشرة ، وفي الثالثة مائة ، وفي الرابعة ألف ، وفي الخامسة عشرة آلاف وفي السادسة مائة ألف ، وفي السابعة ألف ألف.
وإذا عرفت هذا فنقول : لنفرض أن بحسب كل رأس دائرة (١) من مجموع الفلك الأعظم ، حصل عالم مثل هذا العالم الجسماني المشتمل على الأفلاك السبعة (٢) والعناصر الأربعة ، ثم فرضنا أن هذه العوالم امتدت امتدادا بحيث صارت في الثخن بمقدار قشرة الثوم ، ثم أمليت جميع تلك السطوح من مراتب الأعداد برقوم الهندسة (٣) ثم أوقعت المقابلة بين مجموع تلك الحسابات وبين حقيقة الأزل ، كان ذلك المجموع في مقابلة حقيقة الأزل ، كالعدم في مقابلة الوجود ، بالبيان الذي لخصناه في المثال الأول. فظهر بهذين المثالين : أن حقيقة الأزل والأبد لا قدرة للعقول البشرية على الوقوف عليها. ثم نقول : إن هذه الحسابات التي ذكرنا أنها مقادير متناهية ، والعقول البشرية لا سبيل لها إلى الوقوف على ذرة (٤) من ذراتها. إذا كان [الحال في] (٥) المقادير المتناهية كذلك ، فما ظنك بما لا نهاية له؟ فيثبت : أن العقول عاجزة عن الوصول إلى أوائل هذه المعاني ، فضلا عن الانتهاء إلى أواخرها وغاياتها.
وإذا وقفت على حقيقة الأزل والأبد من الاعتبارات المذكورة ، فنقول : هاهنا مباحث لا بد من الوقوف عليها.
فالأول : قالوا : تقدّم الله تعالى على هذا اليوم ، إما أن يكون بمدة متناهية ، أو بمدة غير متناهية ، فإن كان الأول لزم كون الله تعالى حادثا ، وهو محال.
وإن كان الثاني لزم أن يقال : إنه قد انقضى قبل هذا اليوم مدة غير
__________________
(١) إبرة (س).
(٢) التسعة (س ، ز).
(٣) الهند (س).
(٤) كثرة (س).
(٥) من (ز).