عن اللواحق اللاحقة له ، بسبب حصوله فينا ، فليس عند جملة الخلق من معارف جلاله (١) ، إلا هذا القدر. فظهر بهذا البيان : أن عقول الخلق لم يحصل عندها من المعارف الإلهية إلا هذه الأمور المجملة ، المشار إليها على سبيل الأولى والأخلق وأما على سبيل التفصيل فلا.
الحجة الرابعة لهم في هذا الباب : إن الانتقال من المعلوم إلى المجهول لا يعقل إلا بأحد ثلاثة أوجه :
أحدها : الاستدلال بالعلة على المعلول.
وثانيها : الاستدلال بالمساوى على المساوى.
وثالثها : الاستدلال بالمعلول على العلة.
والطريقان الأولان في حق الحق مفقودان فبقي الطريق الثالث وهو أن يصعد من الأثر إلى المؤثر ، وينتقل من المخلوق إلى الخالق. وإذا عرفت هذا فنقول : النفس الناطقة الإنسانية واقعة في المرتبة الآخرة من الموجودات المجردة المقدسة ، على ما ستعرف حقيقة هذه المقدمة عند وقوفك على معرفة درجات الملائكة ومراتبها ، وإذا كان كذلك فهذه النفس الإنسانية تترقى من علمها بنفسها إلى علمها بعلتها ، ومن علمها بعلتها إلى علمها بعلة علتها ، وهكذا تترقى مرتبة فمرتبة حتى تصل بالآخرة إلى حضرة واجب الوجود لذاته. كما قال في الكتاب الإلهي.
(وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) (٢) وقال : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٣) وقال : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (٤) فالحق هو الأول عند النزول من الحق (٥) إل الخلق ، والآخر عند الصعود من الخلق إلى الحق ، ولما كانت درجات الوسائط
__________________
(١) جلال الله (س).
(٢) النجم ٤٨.
(٣) الشورى ٥٣.
(٤) الحديد ٣.
(٥) من الخلق إلى الحق (س).