الفصل الرابع
في
ضبط معاقد هذا العلم
أعلم ان الإنسان له أحوال ثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل.
أما الماضي : فهو يريد أن يعرف أن هذه الأحوال كيف كانت في الماضي؟ وذلك لا يحصل إلا بأن يعرف المبدأ الأول ويعرف صفاته ، ويعرف أنه كيف صدر عنه هذه الأحوال؟ فهذه مقدمات ثلاث. وعلى طريق كل واحد منها عقدة هائلة.
أما معرفة الذات فهي أنا لو حكمنا بكون ذاته مساوية لشيء من هذه الأشياء التي أدركناها بحواسنا ووجدانات نفوسنا ، ووجدانات عقولنا ، لزم كونه ممكنا لذاته ، وهو محال. وإن حكمنا بكون تلك الذات المخصوصة مخالفة لجميع هذه الموجودات التي عقلناها وعرفناها بقي العقل متحيرا والها ، لا يهتدي الى شيء. فالحاصل أن العقل إذا أثبت تلك الحقيقة على وجه يصل إدراكه إليه لم يعرفه البتة ، لأن كل ما كان كذلك فهو ممكن الوجود ، لا واجب الوجود ، وإن أثبته بحيث يكون مخالفا لحكمة هذه الحقائق ، فحينئذ يعجز عن معرفته من حيث هو هو ، وإذا عجز عن معرفته ، وعن تصوره فكيف يمكنه أن يصفه بصفات الجلال والعظمة والتقديس؟ فهذا موقف مهيب في معرفة الذات.
وأما معرفة الصفات ففيها مقامان مهيبان جدا جدا :