الفصل الثاني
في
بيان ان الممكن لا يترجّح أحد طرفيه على الآخر
الّا لمرجح
اعلم أن العقلاء لهم في هذا الموقف قولان :
الأول : أن هذه المقدمة بديهية.
والثاني : أنها برهانية.
أما القائلون بالقول الأول فقد احتجوا على صحة مذهبهم بأن قالوا : إنا رأينا جمهور العقلاء مطبقين على أنهم إذا أحسوا بحدوث حادث طلبوا له سببا ، وإذا سمعوا صوت إنسان اضطروا إلى العلم بحضور ذلك الإنسان ، وإذا رأوا حدوث بناء قطعوا بوجود باني ، بل نزيد ونقول : إن هذا العلم حاصل في نفوس الأطفال الذين لم يبلغوا إلى كمال العقل ، وذلك لأن الطفل إذا كان له مكان وموضع يختص هو به بالتصرف فيه ، فإذا وجد فيه طعاما لم يضعه فيه ، أو غاب عنه شيء [وضعه (١)] فيه ، فإنه يصيح ، ويقول : من الذي أخذه؟ ومن الذي وضعه؟ وذلك يدل على أن فطرة ذلك الطفل تشهد بأن الممكن لا بد له من مرجح ، [والحادث لا بد له من محدث (٢)] وإذا كان هذا العلم مركوزا في [غريزة(٣)] نفس ذلك الطفل ، علمنا أنه أقوى العلوم البديهية ،
__________________
(١) من (ز).
(٢) من (ز).
(٣) من (ز).