بل نقول : إن هذا النوع من الإدراك مركوز في نفوس البهائم ، وذلك لأن البهيمة إذا سمعت صوت الحية ، فرت. وليس فرارها إلا لأن شعورها بصوت الحية يقتضي شعورها بوجود الحية، فدل هذا على أن انتقال الفطرة والنفس من الأثر إلى المؤثر حاصل في نفوس الأطفال (١) [بل هو أمر (٢)] حاصل في نفوس البهائم.
فإن قيل الكلام على ما ذكرتم من وجوه :
الأول : إن هذه الاعتبارات التي ذكرتم إن صحت ، فإنها إنما تدل على أن العلم بافتقار المحدث إلى المؤثر [علم ضروري (٣)] ولكنها لا تدل على أن العلم بافتقار الممكن إلى المؤثر علم ضروري ، فأين أحد البابين عن الآخر؟
فإن قال قائل : إنا نجد العلم البديهي حاصلا بأن الوجود والعدم لما استويا استحال رجحان أحدهما على الآخر إلا لمرجح ، فعلمنا أن العلم البديهي كما حصل في افتقار المحدث إلى المؤثر (٤) ، فهو أيضا حاصل في افتقار الممكن إلى المرجح.
فنقول في الجواب عن هذا السؤال : إن قولكم الوجود والعدم لما استويا بالنسبة إليه لم يترجح أحدهما على الآخر إلا لمرجح ، إنما جزم العقل به ، لأن قولكم يترجح أحد الطرفين على الآخر يوهم حدوث [ذلك (٥)] الرجحان ، وإنه أمر حصل بعد أن لم يكن. فهذا الجزم إنما حصل من تخيّل [معنى (٦)] الحدوث لا من نفس الإمكان المجرد ، والدليل عليه : أنا إذا أزلنا وهم الحدوث بالكلية ، واعتبرنا معنى الإمكان خاليا عن توهم الحدوث ، وذلك في الممكن الباقي في حال بقائه [لا نجد في العقل جزما بافتقار الممكن حال بقائه إلى المؤثر، بل الغالب على الأوهام استغناء الباقي في حال بقائه (٧)] عن المؤثر ،
__________________
(١) الأطفال والبهائم (س).
(٢) من (ز).
(٣) من (ز).
(٤) المدير (س).
(٥) من (ز).
(٦) من (ز).
(٧) من (س).