الأوقات ، إلا أنه قد يحصل التساوي بينهما في القوة في بعض أوقات ، فإن من سمع صوت إنسان ، فإنه يعلم بالضرورة حضور ذلك الإنسان ، ويكون هذا العلم مساويا في القوة للعلم بأن الواحد نصف الاثنين. سلمنا حصول التفاوت مطلقا ولكن لا نسلم أن ذلك التفاوت عائد إلى التصديق ، بل هو عائد إلى التصور وبيانه : وهو أن التصديق يتوقف على تصور طرفي القضية ، وتصور أن قولنا : الواحد نصف الاثنين : تصورات جلية غنية عن التعريف [لأنه ليس فيها إلا تصور الواحد والاثنين والنصف ، وهذه التصورات جلية غنية عن التعريف] (١) بخلاف قولنا : الممكن يفتقر إلى المؤثر ، فإن هذا التصديق يتوقف على تصور ماهية الممكن وعلى تصور ماهية الافتقار ، وعلى تصور [ماهية] (٢) المؤثر ، وهذه الأمور الثلاثة تصوراتها تصورات غامضة خفية ، فالتفاوت الحاصل في عقول الخلق من هذين الحكمين ، إنما وقع بسبب حصول التفاوت بين تصوراتها ، فأما أن يقال ؛ إن ذلك التفاوت وقع في نفس تلك التصديقات ، فهذا ممنوع.
فما الدليل عليه؟ سلمنا حصول التفاوت بين التصديقات. فلم قلتم : إنه لما كان أحد التصديقين أقوى من الثاني لزم كون التصديق المرجوح ظنيا ، ويمتنع كونه يقينيا ، وما الدليل على أن الأمر كذلك؟ والجواب : ـ أما قوله : «لا نسلم وقوع التفاوت بين حكمنا بأن الواحد نصف الاثنين وبين حكمنا بأن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلّا لمرجح».
فنقول : هذا التفاوت معلوم ببديهية العقل ، فإنكاره إنكار للبديهي ، ولو جاز لكم أن تصروا على هذا الإنكار ، على سبيل المكابرة ، جاز لغيركم أيضا أن يقول : إني لا أجد من نفسي ، جزم العقل بأن المحدث ، لا بدّ له من محدث.
وبالجملة : فالأصل المعتبر في الفرق بين البديهيات وبين غيرها : ما يجده
__________________
(١) من (ز).
(٢) من (س).