العقلاء من نفوسهم وعقولهم ، وجدانا ظاهريا جليا. فإن فتحتم باب الإنكار ، على سبيل المكابرة ، انفتحت تلك الأبواب في الكل. وحينئذ يفسد الكل.
وأما الجواب عن السؤال الثاني : وهو أن العقل ، وإن حكم بحصول التفاوت في بعض الأوقات ، فقد يحكم بينها بالاستواء في سائر الأوقات.
فنقول : إن وقوع التفاوت في بعض الصور يكفي في القدح ، وأما حصول المساواة في الصور الكثيرة فإنه لا يفيد الصحة. وبيانه : وهو أن القضية البديهية هي التي يكون [مجرد] (١) تصور موضوعها ، ومحمولها كافيا في جزم الذهن بنسبة أحدهما إلى الآخر ، إما بالنفي أو الإثبات.
فنقول : لو كانت هذه القضية بديهية لكان تصور موضوعها ومحمولها كافيا في إيقاع ذلك التصديق ، ولو كان الأمر كذلك لامتنع خلو حصول هذين التصورين عن حصول ذلك الجزم في التصديق ، وحيث خلا هذان التصوران عن الجزم الحاصل في التصديق ولو في صورة واحدة ، كفي ذلك في العلم ، بأن هذين التصورين لا يوجبان ذلك التصديق ، فإن استثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم ، أما لو حصل هذا الجزم في ألف ألف صورة ، فإنه لا يفيد البتة شيئا لأن استثناء عين التالي لا ينتج شيئا البتة. وأما الجواب عن السؤال الثالث: فمن وجهين :
الأول : إنا لا نسلم أن شيئا من التصورات ، يمكن أن يكون كسبيا. وقد مر تقرير هذا الأصل ، في أول علم المنطق.
والثاني : سلمنا أن التصور يمكن أن يكون كسبيا نستحضر ماهية الممكن ، وماهية الاحتياج ، وماهية المؤثر على أقصى الوجوه في عقولنا وأذهاننا ، فإن الممكن ، لا تفسير له، إلا الذي يقبل الوجود والعدم ، من حيث هو هو. أو أنه الذي لا يلزم من فرض وجوده وفرض عدمه ، من حيث
__________________
(١) من (ز).