رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر إلا لمرجح ، ولو كانت هذه القضية بديهية لامتنع إطباق الطوائف العظيمة على إنكارها.
الحجة الثالثة : لو كانت هذه المقدمة بديهية ، لكان العلم بافتقار الممكن الباقي حال بقائه إلى المؤثر علما بديهيا لأن الإمكان حاصل فيه ، لكن الأمر ليس كذلك ، فإن أكثر العقلاء يقولون ببطلانه ، ويقولون : إن تحصيل الحاصل محال في بديهة العقول ، فعلمنا : أن العلم (١) بافتقار الممكن إلى المؤثر ليس حكما بديهيا. فهذا تمام الكلام في طرق السؤال والاعتراض.
والجواب : قوله في السؤال الأول : «إن الشبهات التي ذكرتموها ، إنما تدل على أن العلم بافتقار المحدث إلى المؤثر علم ضروري ولا تدل على أن العلم بافتقار الممكن إلى [المؤثر] (٢) المرجع ضروري».
فنقول في الجواب (٣) عنه طريقان :
الطريق الأول : أن نقول إنه لما ثبت بالوجوه المذكورة أن العلم باحتياج المحدث إلى المؤثر (٤) أمر (٥) ضروري بديهي.
فنقول : إنه يلزم منه كون الإمكان محوجا إلى المؤثر ، والدليل عليه : أنا إذا فرضنا الشيء قديما أزليا ومع كونه كذلك ، فإذا فرضناه واجب الوجود لذاته [فههنا إذا حصل اعتقاد كونه أزليا وحصل أيضا اعتقاد كونه واجب الوجود لذاته (٦)] فمع حصول هذين الاعتقادين ، يستحيل منا أن نعتقد فيه كونه محتاجا في وجوده إلى مرجح ومؤثر ، وهذا يدل على أن منشأ الحاجة إما الحدوث وإما الإمكان ، لأنا عند فرض زوال هذين المفهومين لما امتنع الحكم علينا بالحاجة ، ثبت أن المقتضي للحاجة إما مجموع هذين القيدين أو أحدهما ، وإذا ثبت هذا. فنقول : الحدوث يمتنع أن يكون علة للحاجة ، أو أن يكون جزء العلة ، أو أن يكون شرط العلة ، وإذا سقط الحدوث عن درجة الاعتبار ، بقي
__________________
(١) الحكم (س).
(٢) من (س).
(٣) فنقول : لنا عنه (س).
(٤) المحدث (س).
(٥) علم بديهي (س).
(٦) من (ز).