أخرى ، ولزم التسلسل وهو محال. فثبت أن سبق الجزء (١) في المدة ، على الجزء المتأخر منها ليس لأجل مدة اخرى.
وإذا عقل هذا ، فلم لا يعقل سبق عدم الحادث على وجوده من غير مدة؟ فثبت بهذين الطريقين : أن صريح العقل لا يقتضي افتقار الحادث في حدوثه إلى سبق مادة ومدة ، لأنه حكم في هاتين الصورتين بالحدوث من غير سبق مادة ولا مدة ، أما في حق الفاعل ، فقد حكم صريح العقل بالافتقار الى الفاعل ، ولم يوجد شيء حدث ، ولا عن الفاعل فظهر الفرق.
أما قوله في المعارضة الأولى : «إن جزم العقل بقولنا : الواحد نصف الاثنين ، أقوى من جزمه بأن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا لمرجح».
فالجواب الحق : أن هذا التفاوت ممنوع وذلك لأن من أزال عن عقله تعود الجدال والمنازعة في كل شيء ، واستحضر في عقله أن نسبة الوجود إليه كنسبة العدم إليه ، وأنه لا رجحان لأحد الجانبين على الآخر البتة ، جزم جزما بديهيا : أنه ما دام يبقى (٢) هذا الاستواء فإنه يمتنع حصول الرجحان ، فإن حصل الرجحان فقد زال الاستواء وانضم إلى الطرف الراجح شيء آخر ، فإذا اعتبر العقل هذه القضية على هذا الوجه ، لم يبق بينها وبين القول الواحد نصف الاثنين تفاوت.
وأما المعارضة الثانية وهي قوله : «إن جمعا من العقلاء جوزوا رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح ، ولو كانت هذه القضية بديهية لما اختلفوا فيها».
فنقول : لا نسلم أنهم يلتزمون رجحان الممكن لا عن مرجح (٣) نعم ربما
__________________
(١) جزء المتقدم (س).
(٢) مع (س).
(٣) مؤثر (س).