الفصل الرابع
في
عشر في نفي الاتحاد
اعلم أن قولنا : إن هذا الشيء صار شيئا آخر : له تفسيران : أحدهما : أن تكون الذات المعينة موصوفة بصفة ، ثم زالت عنه تلك الصفة ، وحدثت فيه صفة أخرى. وهذا معقول. كقولنا : إن الماء صار هواء ، فإن معناه : أن الجسم المعين كان موصوفا بالصفة المائية وزالت هذه الصفة عن ذلك الجسم ، وحدثت فيه الصفة الهوائية ، وهذا معقول جائز. وأما التفسير الثاني : وهو أن تصير نفس هذه الحقيقة بعينها نفس حقيقة أخرى ، فهذا قول باطل. والدليل عليه : أنهما عند الاتحاد إما أن يكونا باقيين ، أو يكونا معدومين ، أو يكون أحدهما باقيا ، والآخر معدوما ، فإن كانا عند الاتحاد باقيين ، فهما أثنان لا واحدا ، فكان القول بالاتحاد باطلا. وإن كانا معدومين فهما قد عدما وهذا الذي حصل وحدث ، شيء ثالث مغاير لهما ، وهذا معقول ، إلا أنه ليس هذا من باب الاتحاد ، وأما إن قلنا : إن عند الاتحاد يكون أحدهما باقيا ، ويكون الثاني فانيا ، فهذا أيضا باطل لأنهما لو اتحدا ، لزم أن يقال : إن الموجود عين المعدوم ، وذلك باطل قطعا ، فثبت : أن القول بالاتحاد محال. ولقائل أن يقول : القول بالاتحاد له تفسير معقول صحيح وذلك لأنه ثبت أن الوجود زائد على الماهية ، فإذا كان لكل واحدة من هاتين الماهيتين ، وجود على حدة ، كان ذلك مبطلا للاتحاد ، وأما إذا حصل لهما معا وجود واحد ، فهذا هو الاتحاد. وذلك لأنه لما كان لكل واحد منهما وجود على