السبب المعين انتفاء المسبب. لاحتمال أن يحصل ذلك المسبب بسبب آخر ، فيثبت بما ذكرنا : أن هذا الدليل ضعيف.
الحجة الثانية على امتناع حصول اللذة في حق الله تعالى : أن نقول : لو التذ الله تعالى بشيء ، لكان الملتذ به إما أن يكون حاصلا في الأزل ، وإما أن لا يكون. والقسمان باطلان ، فالقول بكونه ملتذا باطل. بيان أنه يمتنع كونه ملتذا في الأزل : ذلك لأن الالتذاذ بالشيء ، مشروط بحصول الملتذ به ، فلو كانت اللذة أزلية [لكان المتلذذ به أزليا (١)] فيلزم قدم العالم ، وقد أبطلناه. وبيان أنه يمتنع القول بأن كونه ملتذا : صفة حادثة : وذلك لأن حصول الالتذاذ في حق من يصح عليه الالتذاذ أمر مطلوب الحصول. فإذا كان الله تعالى عالما في الأزل بأنه يمكنه تحصيل الالتذاذ ، ولا مانع له من تحصيل ذلك الشيء البتة ، وجب أن يحدث ذلك الملتذ به. وهذا محال ، لأنه لا وقت يفرض أن الله تعالى يحدثه فيه ، إلا والداعي إلى إحداثه كان حاصلا قبل ذلك ، وكانت الموانع المانعة عن إحداثه زائلة ، وإذا كان الأمر كذلك [وجب أن يحدثه قبل ذلك الوقت ، فلزم أن يقال : إنه لا وقت إلا والله تعالى قد أحدث ذلك الملتذ به قبل ذلك الوقت ، وإذا كان الأمر كذلك (٢)] لزم أن يقال : إن الله أحدثه في الأزل ، وحينئذ يرجع الكلام إلى القسم الأول ، وهو أن الملتذ به كان حاصلا في الأزل ، ويلزم منه قدم العالم. وقد أبطلناه ، فثبت أن القول بصحة كونه تعالى ملتذا أمر يفضى إلى أحد هذين القسمين ، وثبت كونهما باطلين ، فكان القول بجواز اللذة على الله تعالى محالا. هذا هو الكلام في اللذات الحسية.
وأما اللذات العقلية : فهي مثل الالتذاذ بحصول صفات الكمال والجلال له. وهذا النوع من الالتذاذ قد أطبقت الفلاسفة على إثباته في حق الله تعالى. والمتكلمون أطبقوا على إنكاره. أما الفلاسفة فقد احتجوا على إثباته بأنه تعالى عالم بكونه موصوفا بصفات الكمال والجلال ، [وهذا العلم يوجب البهجة والالتذاذ ، فوجب أن يحصل هذا النوع من البهجة في حق الله تعالى. أما أنه
__________________
(١) من (س).
(٢) من (و).