التسلسل. فثبت بهذه الوجوه الخمسة : أن المفهوم من كون الشيء واجبا لذاته ، ليس مفهوما ثبوتيا ، بل هو مفهوم سلبي.
لا يقال : الدليل على أنه مفهوم ثبوتي وجهان :
الأول : إن وجوب الوجود عبارة عن تأكيد الوجود ، فلو كان الوجوب قيدا عدميا ، لزم أن يكون الشيء متأكدا بسلب نفسه ، وبنقيض نفسه ، وأنه محال.
والثاني : أن نقيض الوجوب هو اللاوجوب ، والمفهوم من اللاوجوب يصدق إما على الممتنع وإما على الممكن الخاص. أما الممتنع فإنه عدم محض. فالذي يصدق عليه ، يجب أن يكون عدما محضا ، وإلا لزم قيام الصفة الموجودة بالعدم المحض. وهو محال. وأما الممكن الخاص فإنه لا يمتنع بقاؤه على العدم ، مع أنه في هذه الحالة يصدق عليه أنه غير واجب. فالمفهوم من اللاوجوب يصدق على العدم المحض في هذه الصورة أيضا. [فوجب أن يكون المفهوم من اللاوجوب هاهنا أيضا عدما محضا ، فيثبت بهذا البرهان : أن اللاوجوب عدم محض (١)] فوجب أن يكون المفهوم من الوجوب ثبوتا محضا بالضرورة ، لأن أحد النقيضين لا بد وأن يكون مفهوما ثابتا. لأنا نقول :
أما الوجه الأول : فجوابه : أن نقول : ما المراد من قولكم : الوجوب تأكيد الوجود؟ إن أردتم به أن ما يكون واجب الوجود لذاته ، فإنه يفتقر في وجوده إلى سبب منفصل ، فهذا معقول ، إلا أن هذا المعنى. مفهوم سلبي ، والأمر فيه ظاهر. وإن عنيتم به كون تلك الماهية مقتضية لذلك الوجود فقد دللنا على اقتضاء الشيء لشيء آخر ، يمتنع أن يكون موجودا زائدا ، وإلا لزم التسلسل. وإن عنيتم بهذا التأكيد مفهوما ثالثا ، فلا بد من بيانه.
وأما الوجه الثاني فجوابه : أن هذا معارض بأن قولنا : إنه ليس بممكن بالإمكان الخاص ، نقيض لقولنا : إنه ممكن بالإمكان الخاص ، لكن قولنا : إنه
__________________
(١) من (و).