المفهوم من السواد حاصل في المفهوم من قولنا : هذا السواد. فوجب أن يكون قولنا : هذا السواد قد اختص بقيد زائد على المفهوم من مجرد قولنا : السواد [وذلك هو المطلوب :
الثالث : إن بديهة العقل حاكمة بأن المفهوم من قولنا : هذا السواد] (١) مفهوم مركب من قولنا : هذا ، ومن قولنا : السواد. وحاكمة أيضا بأن المفهوم من قولنا : هذا مغاير للمفهوم من قولنا : السواد. وذلك يدل على أن تعين المتعينات أمر زائد على الماهية.
إذا ثبت هذا فنقول : هذا المفهوم الزائد : أمر ثبوتي. ويدل عليه وجهان :
الأول : إن هذا السواد من حيث إنه هذا السواد موجود. وقولنا : هذا ، جزء من مفهوم قولنا : هذا السواد. والمعدوم يمتنع أن يكون جزءا من الموجود ، فوجب أن يكون المفهوم من قولنا : هذا : موجودا.
والثاني : إن بتقدير أن يكون تعين هذا المتعين مفهوما عدميا ، فإنه لا يكون عبارة عن عدم أي شيء كان ، وإنما هو عبارة عن عدم تعين المتعين الآخر ، وذلك التعين الآخر إن كان عدما ، كان هذا التعين عدما للعدم. وعدم العدم ثبوت. فهذا التعين ثبوت. فيكون التعين الآخر ثبوتا ، ضرورة أن التعينات أفراد ماهية واحدة فيكون حكمها بأسرها حكما واحدا. وإن كان التعين الآخر ثبوتا وجب أن يكون هذا التعين أيضا ثبوتا لعين ما ذكرناه.
فثبت بهذه البيانات : أن تعين كل متعين : صفة موجودة زائدة على الذات ، وحينئذ ينتظم الدليل المذكور ، لأنا نقول : هذه الدلائل التي ذكرتم تفيد أن التعين صفة زائدة على الماهية (٢). والدلائل التي ذكرناها تفيد أن الأمر ليس كذلك ، فحصل التعارض ، وبقي الشك [ومع قيام هذا الشك] (٣) صار
__________________
(١) من (و ، س).
(٢) الذات (س).
(٣) من (س).