واجب الوجود هو ذلك التعين ، وإن كان ذلك التعين علة] (١) للوجوب يلزم أن يكون وجوب الوجود ، معلول شيء آخر. فنقول : هذا لازم عليكم مع القول بتوحيد واجب الوجود. وذلك [لأن الوجوب صفة عارضة لاتصاف الماهية بالوجود وذلك لأن الوجود والإمكان والامتناع] (٢) جهات ، وهي صفات للرابطة الحاصلة بين الموضوع والمحمول ، وإذا كان الأمر كذلك ، كان الوجوب على كل التقديرات صفة خارجة عن الماهية ، وكل صفة خارجة عن الماهية ، فهي ممكنة لذاتها معللة بالغير. فيثبت أن هذا المحذور لازم. سواء قلنا : إن واجب الوجود لذاته واحدا ، أو قلنا إنه أكثر من واحد.
الثالث : إنا نعلم بالضرورة أن من الماهيات ما يكون مستلزما لذاته ماهية أخرى ، مثل قولنا : إن الثلاثة مستلزمة للفردية ، وإن الأربعة مستلزمة للزوجية وكون الثلاثة مستلزمة للفردية أمر واجب لذاته [لا لغيره ، وكون الأربعة مستلزمة للزوجية أمر واجب لذاته] (٣) فهذه الوجوبات الذاتية أشياء كثيرة. فالواجب لذاته أكثر من الواحد.
فإن قالوا : هذه الوجوبات الذاتية ليست ذوات قائمة بأنفسها ، وإنما هي أحوال نسبية اعتبارية ، وكلا منا في أن الذوات القائمة بنفسها ، الواجبة الوجود لذاتها ، يجب أن تكون واحدة. فنقول في الجواب : أنتم بنيتم التقسيم الذي ذكرتموه في توحيد واجب الوجود لذاته على مفهوم الوجوب بالذات. والوجوب بالذات حاصل في هذه الاعتبارات ، لأنها من حيث هي هي ، أمور واجبة لذواتها ، ممتنعة التعيين لما هي هي ، فكان هذا وجوبا بالذات ، فكان هذا نقضا على ما ذكرتموه.
الرابع : إن كلامكم مبنى على أن كل مركب في ماهية ، فإنه يمتنع أن يكون واجبا لذاته. فنقول : إن هذا باطل لأن الوجوب على قسمين ، منه ما يكون وجوبا بالذات ، ومنه ما يكون وجوبا بالغير ، فالوجوب هو القدر المشترك
__________________
(١) من (س ، ط) وفي (س) فكل وفي (ط) وكل.
(٢) من (س).
(٣) من (و ، س).