في إبطال هذا القسم دليل آخر. وهو : أنه لو تعذر على كل واحد منهما تحصيل مراده ، لزم أن يبقى الجسم خاليا عن الحركة والسكون ، وذلك محال. أما إذا قلنا : الأعراض باقية ، لم يلزم منه محال البتة ، لأنه لما اندفع كل واحد منهما بالآخر ، بقي الجسم على ما كان عليه قبل ذلك ، فيبقى العرض الذي كان موجودا قبل ذلك. وأما أنه يمتنع حصول أحد المرادين دون الآخر فيدل عليه وجهان : الأول : إنه لما كان كل واحد منهما قادرا على ما لا نهاية له من الممكنات ، امتنع كون أحدهما أقوى قدرة من الثاني ، ولما كانا متساويين في كمال الاقتدار ، فلو رقع مراد أحدهما دون الثاني ، كان هذا قولا برجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح ، وأنه باطل. والثاني : إنه إذا حصل مراد أحدهما دون الثاني ، فالذي لم يحصل مراده ، كان عاجزا ، والعاجز لا يكون إلها. فهذا تقرير هذا الدليل.
فإن قيل : هذا الدليل بناء على جواز أن يريد أحدهما شيئا ، ويريد الثاني ضده. فلم قلتم : إن هذا ممكن؟ وما الدليل عليه؟ لا يقال : الدليل عليه : أنه لو انفرد هذا بالإلهية صح منه إرادة الحركة ، ولو انفرد الثاني صح منه إرادة السكون ، فإذا اجتمعا ، فإما أن يبقيا على ما كانا عليه حال الانفراد ، أولا يبقيا على تلك الحالة [فإن بقيا على تلك الحالة (١)] فحينئذ يصح من هذا إرادة الحركة ، ومن الثاني إرادة السكون حال الاجتماع ، وهذا هو المطلوب.
وإن لم يكن بقيا حال الاجتماع على ما كانا عليه حال الانفراد ، فهذا باطل لوجوه :
الأول : إنهما لما كانا متساويين في كمال القدرة والإلهية ، لم يكن امتناع هذا عن الإرادة بسبب ذاك ، أولى من امتناع ذاك عن الإرادة بسبب هذا. فوجب أن يندفع كل واحد منهما بالآخر وذلك محال. لأن الموجب لاندفاع الجانب الأول حصول الجانب الثاني ، والموجب لاندفاع الثاني حصول الجانب الأول ، فلو اندفع الجانبان معا ، لزم الجانبين معا على ما ذكرناه في أول
__________________
(١) من (س).