قوله : «إن هذا يقتضي حصول الرجحان لا لمرجح ، وأنه باطل» قلنا : أليس أن العالم لما كان محدثا ، وجب الاعتراف بأنه تعالى خصص إحداثه بوقت معين دون سائر الأوقات من غير مخصص اختص به ذلك الوقت؟ فإذا جاز هذا ، فلم لا يجوز رجحان أحدهما على الآخر لا لمرجح؟ فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : إنه تعالى خصص إحداث العالم بالوقت المعين لأجل أن ذلك الوقت أقرب إلى إصلاح المكلفين؟ فنقول : الدليل على فساد هذا القسم ، أن نقول : جميع الأوقات إما أن تكون متساوية في جميع الأمور المعتبرة في الخلق ، وإما أن لا تكون متساوية.
فإذا كان الأول فالإشكال لازم ، وإن كان الثاني فنقول : اختصاص ذلك الوقت المعين بتلك الخاصية ، إما أن يكون لذاته ، أو لشيء من لوازم ذاته ، أو للفاعل المنفصل. فإذا كان الأول أو الثاني فقد جوزتم أن يكون للوقت المعين أثر في اقتضاء حصول تلك الخاصية ، وإذا عقل ذلك ، فلم لا يعقل أن يقال : إن ذلك الوقت هو الذي اقتضى حدوث العالم؟ وعلى هذا التقدير فإنه لا يمكن الاستدلال بحدوث العالم على إثبات الصانع، وإن كان الثالث عاد التقسيم المذكور في أن ذلك الفاعل [المباين ، لم (١)] خصص ذلك الوقت المعين بتلك الخاصية؟ فإن كان ذلك لأجل اختصاص ذلك الوقت بخاصية أخرى ، عاد التقسيم فيه ، ولزم التسلسل. وإن لم يكن لأجل اختصاص ذلك الوقت بشيء من الخواص ، فحينئذ قد جوزتم في الفاعل المختار أن يرجح أحد مقدوريه على الآخر لمرجح ، فإذا جوزتم ذلك [فلم لا يجوز أيضا أن أحد الإلهين يقع مقدوره ، والإله الثاني لا يقع مقدوره (٢)] مع أنه لا يكون أحدهما مخصوصا بما لأجله حصل الرجحان؟ أما قوله ثانيا : «القديم العاجز محال» قلنا : لا نسلم. والدليل عليه هو : أن الإله تعالى كان موجودا في الأزل مع أنه ما كان قادرا البتة على الفعل في الأزل. لأن الفعل ما له أول. والأزل ما لا أول له. والجمع بينهما محال. والمحال لا قدرة عليه.
__________________
(١) من (و).
(٢) من (و).