ذلك فإنه ليس بصغير ولا بحقير. ومعلوم أن هذا الذي ذكروه مما لا يقبله الحس والخيال البتة، بل لا يقبله العقل البتة. لأن المشار إليه بحسب الحس. إن حصل له امتداد في الجهات والأحياز كان أحد جانبيه مغايرا للثاني ، وذلك يوجب الانقسام ، وإن لم يحصل له امتداد في شيء من الجهات لا في اليمين ولا في اليسار ولا في الفوق ولا في التحت ولا في القدام ولا في الخلف ، كان نقطة غير منقسمة ، وكان في غاية الصغر والحقارة. وإذا لم يبعد عندهم التزام كونه تعالى غير قابل للقسمة مع القول بكونه عظيما غير متناه فكيف حكموا بأن القول بكونه تعالى ليس بمتحيز [ولا حال في المتحيز (١)] مدفوع في بديهة العقل. فيثبت : أن الذاهب إلى هذا القول : متعنت. يحكم على ما كان بديهي البطلان بالصحة ، ويحكم على غير البديهي بكونه بديهيا.
وأما الحنابلة الذين التزموا الأجزاء والأبعاض. فهم أيضا معترفون بأن ذات الله تعالى مخالفة لذوات هذه المحسوسات. فإنه تعالى لا يساوي هذه الذوات في قبول الاجتماع والافتراق ، وفي الصحة والمرض وفي الحياة والموت والصلابة واللين والاستئناس بالغير ، والتوحش بسبب الوحدة. فهم معترفون بأن هذه الأشياء ممتنعة الثبوت في حق الله تعالى. فإنا إذا قلنا لهم : لو وصل شيء إلى ذاته. فهل يمكنه أن يغوص فيه أولا يمكنه؟ فإن أمكنه كانت ذاته بمنزلة الماء والهواء. فتتمزق وتتفرق تلك الذات وإن تعذر عليه ذلك كانت ذاته بمنزلة الحجر الصلد. وأيضا : الحي الذي لا يأكل ولا يشرب ولا يطيب قلبه بسبب الاستئناس بالغير ، ولا تستوحش نفسه بسبب التفرد : غير معقول. فإن قيل للحنابلة : هذه الكلمات. قالوا : إنه تعالى يخالف خلقه. فلا يجوز أن يقاس حاله بحال غيره. وإذا ثبت هذا فنقول : إنهم قد اعترفوا في هذا المقام : بأن حكم الوهم والخيال غير مقبول في حق الله تعالى. وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف يمكنهم أن يحكموا بأن حكم الوهم والخيال في أن كل موجود إما أن يكون متحيزا ، وإما أن يكون حالا في المتحيز : يجب أن يكون مقبولا؟
__________________
(١) من (و).