السؤال الرابع : هب أن ما ذكرتم من الدليل يمنع من وجود إلهين يكون كل واحد منهما قادرا على [ما لا نهاية له من المقدورات ، إلا أنه لا يدل على امتناع وجود إلهين يكون كل واحد منهما قادرا على بعض المقدورات (١)] ولا يدل أيضا على وجود موجود آخر واجب الوجود لذاته ، بحيث لا يقدر على شيء البتة ، سواء كان حيا أو ميتا.
فهذا جملة الكلام في طرف السؤال.
والجواب عن السؤال الأول : إنا قد دللنا على أن كل واحد منهما لو انفرد ، فإنه يصح منه القصد إلى تكوين ذلك الضد ، وعند اجتماعهما ، وجب أن يبقيا على ما كانا عليه حال الانفراد. قوله : «ينتقض هذا ، بما أن هذا وحده قادر على خلق الحركة ، وذاك وحده قادر على خلق السكون ، ثم إنهما عند الاجتماع لا يبقيان قادرين على تحصيل هذين المرادين» قلنا الدليل يقتضي بقاء كل واحد منهما قادرا عند الاجتماع على ما كان قادرا عليه حال الانفراد ، إلا أن ذلك محال ، لما أنه يقتضي الجمع بين الضدين فكان القول بوجود الإلهين مفضيا إلى أحد هذين المحالين ، وهو أن يتعذر عليهما حال الاجتماع ، ما كان مقدورا لهما حال الانفراد إلا أن ذلك محال ، لما أنه يقتضي الجمع بين الضدين. ولما كان القول. بوجود الإلهين مفضيا إلى أحد هذين المحالين وجب القطع بأن فرض وجود الإلهين محال. وهذا يؤكد الدليل المذكور ولا يوجب الطعن فيه. أما قوله في المعارضة الأولى : «إن كل واحد منهما عالم بجميع المعلومات ، فيكون كل واحد منهما عالما بأن أي الطرفين يقع ، وأيهما لا يقع؟ وإذا كان كذلك امتنع أن تريد ، إلا ذلك الواحد ، فيمتنع وقوع المخالفة بينهما» قلنا : العلم بالوقوع تبع للوقوع الذي هو تبع لإرادة الوقوع ، فلو جعلنا إرادة الوقوع تابعة للعلم بالوقوع ، لزم الدور ، وأنه باطل. أما قوله في المعارضة الثانية : «إن كل واحد منهما يكون عالما بأن الطرف الراجح في المصلحة أيهما؟ فوجب كونهما مريدين لذلك الطرف» قلنا : الفعل إما أن يتوقف على الداعي
__________________
(١) من (س).