أو لا يتوقف [على الداعي (١)] فإن توقف على الداعي ، توقف صدور الفعل منا على الداعي ، وتلك الداعية لم تحصل بنا وإلا لافتقرت إلى داعية أخرى ، ولزم التسلسل ، وهو محال. فعلى هذا أفعال العباد مستندة إلى دواعي يخلقها الله تعالى ، وتكون كل تلك الدواعي موجبات لهذه الأفعال ، فالقاصد إلى تكوين السبب الموجب ، قاصد إلى تكوين المسبب ، فيلزم أن تكون أفعال العباد بأسرها واقعة بتكوين الله تعالى. وإذا كان الأمر كذلك ، فحينئذ لا تتوقف فاعلية الله تعالى على رعاية المصالح ، بل قد يقع ما يكون على خلاف رعاية المصالح ، وإذا كان الأمر كذلك ، لم يلزم من الإيجاد في وجه المصلحة : المساواة في الإرادة ، والفعل. وأما إن لم يتوقف الفعل على الدواعي فعند استواء التحريك والتسكين في جميع جهات المصالح والمفاسد ، لا يمتنع وقوع أن يحاول أحدهما التحريك ويحاول الآخر التسكين. وعند وقوع هذا التقدير تحصل المخالفة في القصد والتكوين ويتم الدليل المذكور. أما قوله في المعارضة الثالثة : «إن علم كل واحد منهما بما أنه لو حاول مخالفة الثاني لتعذر عليه تحصيل مراده بمنعه من المخالفة» فنقول : هذا إشارة إلى المنع من الإقدام على المخالفة. وفيه تسليم أنه لو لا هذا المانع ، لكانت المخالفة ممكنة.
وأما قوله في السؤال الثالث : «إن هذه المحاولات إنما لزمت من وقوع المخالفة ، لا من إمكان (٢)» حصول المخالفة. فما الدليل على وقوع المخالفة»؟ فنقول في الجواب : هاهنا مقدمة يقينية وهي أن كل ما كان ممكنا ، فإنه لا يلزم من فرض وقوعه محال ، إذ لو لزم من فرض وقوعه محال ، لوجب أن يكون محال الوقوع ، مع أنا قد فرضناه ممكن الوقوع ، وهذا يفضي إلى الجمع بين النقيضين وهو محال. فيثبت : أن كل ما كان ممكنا فإنه لا يلزم من فرض وقوعه محال البتة. إذا عرفت هذا. فنقول : إنا إذا فرضنا وجود الإلهين ، وفرضنا حصول هذه المخالفة بعد أن أقمنا الدلالة على أن هذه المخالفة ليست ممتنعة لذاتها وعينها ، ثم رأينا أن المحاولات قد لزمت. فنقول : هذه
__________________
(١) من (س).
(٢) إنكار (و) إمكان (س).