المحاولات ما لزمت من فرضنا وقوع المخالفة لأنا بينا أن فرض الممكن موجودا ، لا يلزم منه محال البتة. فعلمنا أن هذه المحاولات إنما لزمت من فرض وجود الإلهين ، وما يلزم من فرض وجوده المحال ، يكون محالا. فعلمنا بهذا الطريق : أن وجود الإلهين محال. أما قوله : «لم لا يجوز وقوع مراد أحدهما دون الثاني»؟ قلنا : لأنه يقتضي وقوع أحد الجائزين من غير مرجح وقوعا على سبيل الوجوب ، وأنه محال.
وقوله : «أليس أن القادر قد يرجح أحد الجانبين (١) على الآخر لا لمرجح؟ فلم لا يجوز مثله هاهنا»؟ قلنا : الذين يقولون بجواز ذلك ، قالوا : إن ذلك إنما يجوز بشرط أن يصح منه فعل ضده. وهاهنا لا يصح منه ذلك. فيكون ذلك قدحا في كون القادر قادرا. أما قوله : «إن هذا التقسيم يقدح في كون العبد موجدا لفعل نفسه» فنقول : هذا السؤال يتعلق بمسألة الجبر والقدر. والكلام المستقصى فيه سيأتي إن شاء الله. أما قوله : «إن هذا الدليل [لا يدل (٢)] على امتناع وجود [الإلهين. اللذين يكون كل واحد منهما قادرا على بعض المقدورات دون البعض ، ولا يدل على وجود (٣)] موجود ثان ، لا يقدر على شيء أصلا ، سواء قيل : إنه حي ، أو ليس بحي» قلنا : مقصودنا من هذا الدليل ليس إلا بيان امتناع القول بوجود آلهين كاملي القدرة فقط. [والله أعلم (٤)].
الحجة الثانية في إثبات أن إله العالم واحد بناء على أصول المتكلمين : أن نقول : لو قدرنا وجود إلهين ، قادرين على جميع الممكنات ، لزم القطع بكون كل واحد منهما قادرا على عين مقدور الآخر. وهذا محال. فالقول بوجود الإلهين محال. أما الشرطية فظاهرة ، وأما أن هذه الملازمة ممتنعة. فتقريره : أنه لما كان كل واحد منهما [قادرا (٥)] على جميع الممكنات ، فكل ما كان مقدورا لهذا ،
__________________
(١) المقدورين (س).
(٢) من (س).
(٣) من (س).
(٤) من (س).
(٥) من (و).