وحاصل الكلام : أن حكم الوهم والخيال في حق الله تعالى. إن كان مقبولا وجب أن يقبل على الإطلاق. وذلك باطل بالاتفاق. وإن لم يكن مقبولا وجب أن لا يلتفت إليه البتة. فأما قبوله في بعض المواضع ورده في سائرها فهو حكم باطل.
الحجة السادسة : أن نقول : إن معرفة [أفعال (١)] الله تعالى وصفاته ، أقرب إلى العقل من معرفة ذات الله تعالى. ثم إن المشبهة وافقونا على أن معرفة [أفعال الله ومعرفة (٢)] صفاته ، على خلاف حكم الحس والخيال.
أما تقرير هذا المعنى في أفعال الله تعالى فذلك من وجوه : الأول : إن الذي رأيناه وشاهدناه [ليس [إلا (٣)] تغير الصفات مثل انقلاب الماء المذاب نباتا وانقلاب النبات حيونا (٤)] فأما حدوث الذوات والأجسام فهذا شيء ما شاهدناه وما عرفناه البتة. الثاني : إنا لا نعقل حدوث شيء يصاغ إلا عن مادة مخصوصة وإلا في زمان مخصوص. فإن تكون الخاتم والسوار من غير شيء يصاغ ذلك الخاتم والسوار منه ، غير مفهوم ولا محسوس. وأيضا : فيكون حدوث الخاتم والسوار من غير زمان ووقت غير معقول. ثم إن أرباب الملل والأديان أقروا بذلك واعترفوا به مع أنه غير موهوم ولا محسوس. والثالث : إنا لا نعقل [فاعلا يفعل (٥)] بعد ما لم يكن فاعلا إلا لأجل تغير حاله وتبدل صفته. ثم إن أرباب الملل اعترفوا بأنه خالق للعالم من غير تغير شيء في صفاته ولا تبدل في أحواله. والرابع : إنا لا نعقل فاعلا يفعل فعلا إلا لجلب منفعة أو لدفع مضرة. ثم إنا اعترفنا بأنه تعالى خلق هذا العالم من غير شيء من هذه الأحوال. فيثبت : أن الوهم والخيال معزولان في معرفة أفعال الله تعالى.
وأما تقرير هذا العجز في الصفات : فذلك من وجوه :
__________________
(١) من (و).
(٢) من (س).
(٣) من (س).
(٤) من (و).
(٥) من (س).